شهرزاد في بلاد لفحتها الشمس
الأدب والتراث عند شعوب العالم كافة، رمز للطاقة التي لا تنضب ناره الخالدة في الحياة، يؤرخ لحياة الإنسان وينيرها مثل شعلة. يحوي الأدب الأوكراني على تأثيرات من آداب الشرق ومنها حركة ترجمة ونقل الأدب العربي إلى اللغة الأوكرانية التي طالما تغنى بها الشعراء مؤكدين أنها لغة بلاد لفحتها الشمس، في إشارة إلى ألوان حقول القمح ودوار الشمس المترامية في أوكرانيا.
لا يسمح بالنشر
تقلت لجنة الرقابة على النشر في بطرسبورغ عام 1889 طلباً للموافقة على نشر مجموعة من حكايات ألف ليلة وليلة باللغة الأوكرانية، فصدر هذا القرار: لا يسمح بالنشر، وأضاف الرقيب: «يجب منع هذه الحكايات لأنها ضارة للشعب!».
تبع هذ القرار حظر الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الأوكرانية بذرائع مختلفة، وكان خنق الثقافة الوطنية ولا سيما الأدب الوطني طابعاً تميزت به القيصرية، وكانت اللغة الأوكرانية وقتذاك تدعى «الروسية الصغرى»، فأتلفت كتب الشعراء والكتاب الشعبيين دون رحمة، ومنع تسرب المؤلفات الأدبية والمطبوعات المترجمة من البلدان الأخرى.
اهتم الأوكرانيون بمؤلفات العرب الكلاسيكية والمعاصرة ونشروا الكثير من الترجمات من اللغة العربية إلى اللغة الأوكرانية، وذلك بعد ثورة أكتوبر حين تهيأت للأوكرانيين أسباب الاطلاع على مؤلفات كتاب الشرق بلغتهم الأصلية بشكل واسع، واستطاعت شهرزاد أن تصل إلى القراء في أوكرانيا.
منشورات عربية
قامت مجلة «فسيسفيت» الشهرية المشهورة بنشر مؤلفات كتاب بلدان الشرق بانتظام، فضمت قصائد وحكايات لكتاب من سورية والعراق والجزيرة العربية ومصر، كما قامت مجلة «راديانسكايا جينكا» المشهورة بنشر قصة «العودة إلى البيت» لشوقي البغدادي.
بينما نشرت مجلة «بيونيريا» حكايات شعبية عربية أحرزت نجاحاً كبيراً وطبعت آلاف النسخ منها.
قامت دار نشر مولود عام 1964 بنشر ديوان «بولوميا» الذي ضم بضع عشرات من قصائد وقصص لكتاب من أربعة عشر بلداً في الشرق ونشرت الدار أيضاً قصة «في بيتنا رجل» لإحسان عبد القدوس، وقامت دار النشر دنيبرو في السبعينيات بنشر راوية تاريخية لجورجي زيدان اسمها «العباسة أخت الرشيد» بالإضافة إلى سلسة من الروايات التاريخية لهذا الكاتب. كما نظمت أنشطة ثقافية شارك فيها أدباء عرب، من سورية ولبنان والعراق، وأوكرانيون من أجل توسيع حركة ترجمة الأدب العربي إلى اللغة الأوكرانية.
توسعت حركة ترجمة الأدب العربي إلى اللغة الأوكرانية بين عامي 1922 – 1972 ومنها قصة «جيانة» للكاتب العراقي يحيى عبد الحميد التي تتحدث عن أحداث وقعت في العراق خلال سنة 1920 زمن حركة التحرر الوطني ضد الاستعمار البريطاني، ونشرت قصص مليئة بأفكار التحرر من الاستعمار مثل قصص عبد الرحمن الخميسي وعبد الملك نوري وعبد الرزاق الشيخ علي و عبد المجيد بن جلون.
كما جرى نشر قصص تتحدث عن الحياة اليومية للناس إلى جانب القصص المناهضة للإمبريالية والصهيونية مثل قصص بشر فارس ومارون عبود وغيرهم من كتاب القصة القصيرة. قام الكاتب ي.ليبيدينسكي بنشر كتاب باسم «الشعلة» يضم مجموعة كبيرة من القصص المترجمة عن العربية وقد رتبها بعناية، وقامت بالترجمة زوجته ت.ليبيدينسكايا الأوكرانية الأصل.
آثار واضحة!
تشغل المواضيع العربية والإسلامية حيزاً واسعاً في سرديات ومرويات الأدب الأُوكراني وتتجسد في ورسومات رواد الثقافة والأدب، عبر مائتي عام. وتظهر بجلاء في تُراث الرحالة فاسيلي بارسكي، والأديبين نيكولاي غوغول، وتاراس شيفتشينكو، والشاعرين بانتيلوس كوليش وإيفان فرانكو، والكاتبة ليسا أوكراينكا، والفنان إيفان تروش، والمستشرقين كريمسكي ويوليان سينكوفسكي وغيرهم.
ويشير تاريخ الأدب إلى أن أول أديب أوكراني وظف موضوعات عربية في إبداعاته الأدبية هو الشاعر بانتيليوس كوليش «1819-1897» في ملحمته «محمد وخديجة»، المهداة إلى زوجته جانا بارفينو، والمستلهمة من قصة النبي محمد.
التراث المصري عند ليسا أوكرايينا
وللكاتبة ليسا أوكرايينا «1871-1913» مؤلفات من وحي عالم الشرق العربي منها «الخيال المصري» و«أبو الهول والمعبود» و«حول الأطلال». ونظمت الشاعرة ليسا قصائد ضمت انطباعاتها عن مصر خلال زيارتها البلاد سنة 1910 بعنوان «الخريف في مصر».
ترجمت الأديبة ليسا قصائد من الشعر الفرعوني عن اللغة الألمانية ،صدرت في أوكرانيا بعنوان «أغاني وجدانية من مصر القديمة»، وسجلت في قصيدة من مجموعتها الشرقية إعجابها بذاك؛(الفلاح الصامت المصري الذي يبني بيتاً وفي قلب الصحراء، يخلق واحةً للآخرين والحر يلفح سحنته السمراء) وللشاعرة ليسا أوكرايينا دراما شعرية رائعة مكرسة لشخصية النبي محمد عنوانها «عائشة ومحمد».
ملامح ورموز شرقية!
ضمت إبداعات المفكر الأوكراني تاراس شيفتشينكو (1814-1861) ملامح ورموز شرقية اختار موضوعاتها من بهاء الشرق وعالمه المتنوع. موضوعات مست مشاعر تاراس في مرحلة مبكرة عندما كان قناً مملوكاً للإقطاعي آنغلهاردت، وحينها رأى، لأول مرة، تُحفاً أثرية وقطعاً فلكلورية شرقية إضافة إلى السجاد والبسط والمنسوجات الشرقية. وزادت معارف تاراس عن الشرق إبان دراسته في أكاديمية الفنون الجميلة. وكان لأُستاذه الفنان الروسي الشهير كارل برولوف عظيم الأثر في توسيع معارفه عن ثقافات وفنون شعوب الشرق.
وترك كتاب الرحالة فاسيلي بارسكي «رحلة في الأماكن المقدسة» تأثيراً واضحاً على ملاحم وكتابات الأديب شيفتشينكو الأولى. ففي ملحمة ماريا، يحاكي شيفتشينكو في مصر الفرعونية دروب بلاده ومعالمها الطبيعية والعمرانية.
وللشاعر شيفتشينكو قصائد من وحي الشرق العربي مثل: «أنا والنسيبة»، وفيها يقارن مدينة بطرسبورغ بمصر القديمة، ويبحث عن التماثل بين قلعة (بيترو-بافلوفسكايا /بطرس- بولص) بالأهرام المصرية العريقة– المعجزة. كما وله عمل أدبي «العزيز والدرويش». في هذه الأعمال يسعى الأديب شيفتشينكو إلى إظهار الطبائع والمزايا والمكونات الحضارية والروحية المشتركة للشعبين الأوكراني والعربي.
دعا تاراس شيفشينكو في قصائده أثناء نفيه إلى القفقاس وكازاخستان إلى النضال الواحد لشعوب الشرق ضد القيصرية والظلم، واستخدام في قصائده صور من الفولكور الأوكراني والتركي والقفقاسي والكازاخي والعربي، ورسم لوحات عن حياة شعوب القفقاس وكازاخستان وقرغيزستان والبلاد العربية.