خلطة سرية من إبراهيم الفقي وقليل من سعيد عقل..!

خلطة سرية من إبراهيم الفقي وقليل من سعيد عقل..!

كان الجو داخل السرفيس خانقاً جداً، يدفعك لمحاولة الالتهاء بأي شيء. إلى جانبي، كان يجلس الفتى الذي بدت على وجهه علامات الاهتمام بما يقرأه في كتابٍ بين يديه. وقد دفعني الاهتمام البادي على وجهه إلى التلصص على ما يقرأ، وإذ بي أجد عنواناً بالخط العريض: «المفاتيح العشرة للنجاح. للدكتور إبراهيم الفقي».

استفزني أن شاباً بهذا العمر منكبٌ على قراءة ما بات معروفاً أنه ليس أكثر من لعب على عقول الناس التواقين إلى «معرفة أسرار النجاح»، وكأن النجاح مرتبطُ فقط برغبة وإرادة وتصميم هؤلاء الناس، دون أي اعتبار للظروف الاقتصادية- الاجتماعية التي يعيشون في ظلها وانعكاسها وتأثيرها الأساسي عليهم.

أردت أن أناقش الشاب بهذه الأفكار، وما أن انهلتُ عليه بما أراه «ردوداً في الصميم» على مثل تلك الطروحات التي يقول بها الفقي، حتى عاجلني الشاب بجملته: «إيه معك حق، بس شو بدنا نعمل؟ لازم ندرس..!»، «تدرس ماذا؟» سألته. أغلق الكتاب ووجهه نحو، وإذ بالغلاف يحمل عنواناً: «مادة اللغة العربية وآدابها- الصف الثالث الثانوي الأدبي». صرختُ داخل السرفيس: «إبراهيم الفقي موجود بكتاب اللغة العربية؟ ليش؟». اعتذر الطالب عن إكمال الحديث لأنه وصل إلى المنطقة التي يبتغيها.

ما إن وصلتُ إلى المنزل حتى قمت بتحميل الكتاب المقرر من الانترنت. تصفحته بسرعة، وإذ بي أجد النص الذي كتبه إبراهيم الفقي في الصفحة (257)، وطبعاً فإن هذا النص مليء بالأفكار الذاتية، التي تلقي بمسؤولية الفشل على الانسان وحده، لا على ظروفه الاجتماعية المتحكمة.

في الصفحة (140) من المقرّر ذاته، توجد قصيدة «ألعينيكِ» للشاعر سعيد عقل. قلتُ لنفسي لا بأس، فإن كان لعقل مواقفه الداعمة للعدو الصهيوني، والعنصرية اتجاه الفلسطينيين، ومواقفه الانعزالية في الداخل اللبناني، إلا أن ذلك لا يمنع ضرورة دراسته لما لأعماله من أهمية. غير أنه وفي «تعريف الشاعر» الوارد في الصفحة ذاتها، نجد ما يبدو أنه تبرير واضح لعقل: «هو شاعر شهد تقلبات كثيرة مرت بالأمة العربية، فمن الاحتلال العثماني، إلى الاستعمار الفرنسي ومواجهتهما، إلى مرحلة الاستقلال، واغتصاب فلسطين، وما واجه هذه المرحلة من حروب ومواجهات، وانتكاسات وانتصارات، وهزائم وخيبات، ومعارك ثأر وكرامات، إلا أنه في شعره انكفأ على ذاته، بحثاً عن أسرار هذا الكون، إيماناً منه بأن الشعر للشعر، والفن للفن..».

لمصلحة من أن تكون المناهج السورية على هذه الشاكلة؟ «حيادية» في تعريفها للمواضيع الإشكالية، وتبررها «من تحت لتحت»، تحت شعار «الشعر للشعر، والفن للفن». ومن ثم، ما الذي يبرر إقحام «إبراهيم الفقي»، و خزعبلاته «حول النجاح» في كتب طلاب المرحلة الثانوية؟

وائل نمر- قاسيون