الدين، والفكر والديني

الدين، والفكر والديني

 من الالتباسات التي تحصل أثناء نقد قوى الإسلام السياسي وبرامجها وسياساتها  هي اتهام الخصوم بالهجوم على الدين، ويستحضرون في هذا السياق ذلك الأسلوب الماضوي البائس في الصراع السياسي الذي شهدنا أشكالاً له في القرن الماضي   وذلك في محاولة من تلك القوى للتحصن بالمقدس الديني، لتغييب جوهر الخلاف الذي هو خلاف على شكل تطور البلاد ودوره في شبكة العلاقات الدولية والإقليمية.

 

 

هنا نود التذكير بضرورة التمييز بين الدين والفكر الديني، فالدين باعتباره قضية معتقدية تتعلق بالعلاقة بين الإنسان والخالق شأن شخصي، وهو حق مشروع لأي إنسان كان، وإذا كان هناك من يريد التدخل في هذه القضية يجب - كما نعتقد - ألا تتجاوز حدود الدفاع عن حرية المعتقد ومنع أية إساءة إلى معتقدات الناس.

أما الفكر الديني والذي يأتي كتفسير للنصوص الدينية، من بشر يمكن أن يخطئوا، أو يستغلوا الدين لمصالح قوى وفئات اجتماعية في خضم الصراع الدائر اليوم داخلياً وإقليمياً ودولياً فهو شأن آخر، من حق الجميع قراءته ونقده، ولا ينفع هنا قوى الإسلام السياسي التمترس خلف المقدس لتسويق برامج اقتصادية تصب غالباً في مصلحة قوى الاستغلال، وبرامج سياسية تصب في مصلحة الدوائر الغربية التي كانت شعوب العالم الإسلامي من أكثر ضحاياها.

فقوى الإسلام السياسي التي استلمت الحكم في البلدان العربية مؤخراً، بعد نجاح ثورات لم تكن مبادرة لها أصلاً «الإخوان المسلمين تحديداً» يعلنون جهاراً بعد كل نجاح« مصر – تونس» أن علاقات الليبرالية الاقتصادية ستستمر، وأن الاتفاقات الدولية« بما فيها كامب ديفيد طبعاً» لن تمس، أي أن هناك تناقضاً بين مصالح الشعوب وبين برامج هذه الجماعات، ومن هنا فأن نقد مثل هذه القوى التي تتمترس خلف الدين هو دفاع عن المصالح المباشرة للشعوب، وبعبارة أدق هو واجب وطني وديمقراطي، فالجماهير الغفيرة لم تنزل إلى الشوارع حتى تبدل اسم الحاكم أو الحزب الحاكم فقط، بل لتغير الواقع بما يعبر عن مصالحهم السياسية والاجتماعية والوطنية، فما الذي سيتم جنيه من استمرار السياسات الاقتصادية السابقة نفسها؟ وما الذي سيتم جنيه من استمرار علاقات التبعية مع الغرب الرأسمالي؟

أن الوعي السياسي للجماهير خلال الموجات الثورية يتطور بقفزات، ولا تنفع بعد اليوم الديماغوجيا السياسية، والتضليل الإعلامي في تخدير الجماهير العريضة، وإذا استطاعت ذلك هنا وهناك فهو مؤقت بلا شك، ولاسيما أن المنظومة التي تستند عليها قوى الاسلام السياسي «أي الرأسمالية» برمتها إلى أفول بعد الأزمة الاقتصادية العميقة التي تعصف بتلك المراكز.