دولة الإخوان والمنطلقات النظرية والفكرية حول المشروع السياسي لسورية المستقبل
الأستاذ المحامي سمير عباس الأستاذ المحامي سمير عباس

دولة الإخوان والمنطلقات النظرية والفكرية حول المشروع السياسي لسورية المستقبل

دولة الإخوان التعليمية.. الصحية.. العلمية هنا يوجد خطاب سياسي وليس اقتصادياً، يمتلئ بالآمال والرغبات الوردية، يذكر هذا الخطاب بوعود الحكومة المصرية السنوية للشعب بتحسين التعليم والصحة والعلم الحديث.. وكل سنة تفتتح المزايدة، وكل سنة تسوء حالة التعليم والصحة والعلوم الحديثة. ثم يتكرر السيناريو...

يريد الإخوان أن تتطور الصحة بمشاركة ورئاسة القطاع الخاص في كل البلاد، وذلك بافتتاح مستشفيات في كل مكان مع التجهيز علمياً بأحدث المعدات الطبية. وفي التعليم بناء واسع للمدارس والتجهيز أيضاً بأحدث الوسائل العلمية. وفي حقل المعلوماتية الاستثمار في البحث العلمي من القطاع الخاص وبشركات مستقلة وإنتاج وتسويق المنتج العلمي بشركات مستقلة أيضاً.

هذه الخطوات ولو توفرت الإرادة السياسية لها تفرض اقتصاداً متقدماً جداً يستطيع تحمل تكاليف التقنية المتقدمة ثم تكاليف إنتاج المنتج العلمي ثم إمكانية تسويقه.

ويفترض تحمل تكاليف بناء المدارس ودفع رواتب معقولة للمدرسين وتجهيزها بالتقنية الحديثة وتكاليف التفاعل مع النشاط التربوي ــ التعليمي العالمي.

ويفترض أنه باعتبار أن الصحة الخاصة تكاليفها عالية جداً أن يتم فتح مستشفيات حديثة بأعلى تقنية طبية التي تكون الفارق بين الحياة والموت، وأطباء وطاقم طبي بأجور عالية ويعملون على تحديث مستمر لمعلوماتهم الطبية.

ويفترض فتح مراكز بحث معلوماتية متقدمة مجهزة بأحدث الأجهزة التي تسمح بالتالي بنتائج البحث المتقدمة ثم تثبيت هذه البحوث وتجهيزها ثم تسويق المنتج العلمي وهو عمل غير سهل يحتاج إلى تمويل كثيف.

من سيقوم بكل هذا. تعليم وصحة وبحث علمي مع نتائجه. من المحال أن يقوم القطاع الخاص بهذا العمل إذا أنه يعمل من أجل الربح، وفي بلدنا الآن أو المستقبل الربح السريع وضمان أمواله بتهريبها أولاً بأول عن طريق تحويلها لنهر المال العالمي المتدفق.

وإذا استثمر رغم ذلك في الصحة والتعليم فسيكون للخاصة وليس للعامة إذ أن الخاصة تدفع نفقات الصحة والتعليم العامة وهذا ما هو موجود الآن في سورية، وسيظل لأنه مريبح وربحه سريع وقابل للتحويل للخارج. وبالتالي ولأن الخاصة عددهم قليل لا يتجاوز 10% من عدد السكان يستطيعون تحمل الكلفة العالية للتعليم الخاص العالي الجودة وللطبابة الخاصة العالية الجودة، فإن 90% من السكان يجب حل مشكلتهم التعليمية والصحة عن طريق الدولة والرعاية الاجتماعية الشاملة.

ومراكز البحوث المتطورة تحتاج لتمويل خرافي وقد استحال على كل دول العالم النامي حل هذه المشكلة عن طريق القطاع الخاص لأن البحوث العلمية المتقدمة تنشأ في بلاد رأس المال المتقدم (الذي يستغلنا نحن البلدان النامية) والذي يربح أرباحاً هائلة ويدخل في موضوع البحوث العلمية إنتاجاً واستثماراً وتسويقاً إذا فاض رأس المال عن حاجته... وبالتالي لا يبقى سبيل أمامنا لنقل النوعية هذه سوى القطاع العام.

ولذلك وبوقوف الجماعة ضد القطاع العام يستحيل تنفيذ برنامجه (المشروع) المذكور فإذا تنازلوا (وعصروا على أنوفهم ليمونة) ورضوا بالتمويل لإنقاذ صحة وتعليم وبحوث سورية فإن هذا يحتاج إلى تمويل دولي. وهو الحل الوحيد فمن أين سيأتي هذا التمويل؟!

اقتصاد دولة الإخوان لا يستطيع لا تحمل تمويل التوازن الاستراتيجي، ولا تحمل الصحة والتعليم والتطور التقني لأنه يبنى على اقتصاد السوق المفتوح، أي انهيار عائدات الضريبة، وعائد القطاع العام وعائد الزراعة الوطنية والصناعة بسبب فتح الاستيراد على مصراعيه كما أسلفنا. فمن أين ستمول الجماعة تمنياتها المكتوبة في المشروع؟

وسوء الفهم هذا أو ادعاؤه من واضعي المشروع بالعد الحسابي البسيط لكل ما يرتجيه المواطن من تمنيات بالتقدم العلمي والتعليمي والصحي، مقصود منه احتيال وليس عفوياً.

إنني أستطيع في جلسة واحدة أن أضع مشروعاً أجمل من برنامج الجماعة فأطلب أستاذاً لكل أربعة تلاميذ وحاسباً أصلياً واحتياطياً وغرفة منامة و3 وجبات ورياضة ورحلة تعليمية لكل تلميذ. وطبيب لكل مواطن ومستشفى لكل عشر أنفار مع ممرضة وطباخ و...إلخ.

فهل أستطيع تطبيقه؟ هذا مثل أمنيات الإخوان.

أستطيع تطبيق برامج متقدمة بالتمويل الناجم عن أرباح القطاع العام وصناعة متقدمة ضمنه وفرض ضرائب عالية على رؤوس الأموال القادمة و...

الدولة الإخوانية مفلسة أكثر بكثير من دولتنا الحالية ولا مجال أمامها لتمويل الدعم التمويني ولا الخدمات الاجتماعية.

ولكن ألا يوجد حل؟. الحل معروف.. دفع القطاع العام إلى الأمام وتنظيفه من الفساد سيعطي نتائج مذهلة حيث يمكن استخدام الكتلة النقدية المتوفرة للدولة في إنشاء صناعات استراتيجية تشغل معها بالتالي مئات آلاف الصناعات المتوسطة والصغيرة سواء أكانت قطاعاً خاصاً أو عاماً أيضاَ.

حماية الصناعة الوطنية حماية تامة دون تحفظ تسمح لهذه الكتلة من الصناعات بالحياة، وقف النهب الشامل الذي يمتص أرباحها قبل وأثناء وبعد الإنتاج مما سيراكم تالياً أرباحاً هائلة سوف تستخدم من جديد لإقامة صناعات استراتيجية جديدة تشد معها بالتالي مئات آلاف الصناعات المتوسطة والصغيرة دافعة كلفة الإنتاج إلى الوراء مما يسمح للبلاد بفتح باب الاقتصاد تدريجياً لأن صناعتنا سوف تخيف الآخر لجودتها وسعرها لا أن تخاف من الآخر.

يجب ألا نبدأ من النهاية بفتح الاقتصاد على الغرب مما يفلس الدولة ويدمر الصناعة ثم نفكر كيف ننقذ الاقتصاد، ونفس البرنامج الذي نقترحه حينها سيكون عسيراً تطبيقه لأن البلاد سوف تشترى بالكامل (انظروا الآن وقبل الانفتاح للهجمة على العقارات) (انظروا لحالة الصناعة المصرية).

قد يقال أنت أيضاً لك أحلام. والمشكلة أنه مطلوب منا إما أن نلتحق باقتصاد السوق الحالي الذي يدفع إليه ويطبقه الفريق الاقتصادي الميال لخلق أزمة اقتصادية كأساس موضوعي لانهيار سياسي اجتماعي، أو الالتحاق باقتصاد السوق المفتوح والاثنان لن يجدا الحل. وحل وطني كالمقترح ليس حلماً، ولكن كي يتحقق يجب أن ينتشر وينال الإجماع الوطني. ويجب أن تصارع من أجله جماهير وقوى سياسية واجتماعية ويستمر الصراع بفترات من النجاحات والإخفاقات المفترضة ولكنه سيربح في النهاية خاصة بعد أن سبقتنا إلى اقتصاد السوق المفتوح دول أخرى أصبحت في القاع الآن:

(مصر: مديونية قطاع البترول والغاز بلغت 4.5 مليار دولار، وباتت مصر تشتري نفطها وغازها من تلك الشركات بالديون وبالأسعار العالمية، معنى ذلك أن مصر صارت مستورداً صافياً وليس مصدراً صافياً كما توحي بذلك الأرقام المعلنة دون أرقام توضح ما هو نصيب مصر وما هو نصيب الشركات الأجنبية /قاسيون عدد 294 تاريخ 24/2/2007 ــ عن مركز دراسات الأهرام/).

(ارتفاع النصيب النسبي لأصحاب عوائد حقوق التملك من 51% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية ثمانينيات القرن الماضي إلى نحو 71.4% من هذا الناتج المحلي الإجمالي في منتصف تسعينيات القرن ذاته /المصدر: مركز دراسات الأهرام ــ عن قاسيون العدد 291 بتاريخ 3/2/2007./).

(2 مليون إنسان كانوا يعيشون بأقل من دولار يومياً، وكان هناك 28 مليون نسمة يعيشون بأقل من دولارين للفرد يومياً) المصدر نفسه.

بعد اقتصاد السوق الملاك (صناعة ــ زراعة ــ تجارة ــ خدمات) يدخل لهم 71.4% وهم قلة مقابل أصحاب الأجور والرواتب لهم 28.6% شعب مصر كله. مصر الغنية بثرواتها الطبيعية وزراعتها وسياحتها وقناة السويس وصناعتها وخدماتها... والأهم نشاط العامل المصري وبراعته.

وبعد الانفتاح انخفض دخل 30 مليون مصري لأقل من 3 دولارات للفرد يومياً ــ المصدر نفسه ــ أي الجوع والعري والمرض: وراء در إلى عهد سيىء الذكر الملك فاروق.

هذه التجارب سوف تدفع مجمل سكان دول المنطقة نحو التخلي عن اي شيء مفتوح اقتصاد وجيوب وذمم.

ولماذا أخيراً هذا العداء الشرس من مشروع الدولة للقطاع العام، وكأنه أكل مال أبيهم. الغرب كله دون استثناء لديه قطاع دولة واسع وراسخ خاصة فرنسا. لأنه يحمي الصناعة الوطنية ويمكن تركيز رؤوس الأموال فيه وله دور اجتماعي في التشغيل اتقاءً للبطالة وفي الحد من الاستيراد لأن المشروع العام يقدم الأهداف الاجتماعية على شروط السوق المفتوح كما أنه لازم في الصناعات الدفاعية. وأخيراً هو رابح...

يبدو أن لهذا الأمر أسباب ذاتية وموضوعية. الذاتية هي العداء لحركة التأميم ثم لبناء القطاع العام تاريخياً والرغبة في إعادة دور البورجوازية التقليدية التي يتصورون لقصور معرفي أنها سوف تستطيع منافسة الإنتاج العالمي الذي يعاني فيض الإنتاج لا كما كان في الخمسينيات متناسين أن القسم الأكبر من البورجوازية السورية كان مع حل التعاون مع المعسكر الاشتراكي أثناءها بدلاً من المعسكر الرأسمالي.

والموضوعية وضعهم السياسي ــ التنظيمي المتردي الآن بسبب فشل مشروعهم القديم بالحلول محل البيروقراطية. وبالتالي لا يريدون أي خلاف مع المراكز المالية الكبرى في موضوع القطاع العام والدعم الزراعي ودعم السلع الاستراتيجية وغيرها لأنهم يأملون أن تساعدهم هذه المراكز في استعادة دورهم.

 

ملاحظة أخيرة:

بالإضافة لتكرار كل  المنهج السلفي في المشروع، فإنه في مجال التربية يلاحظ محاولة جديدة للإيحاء بالتغيير دون تطبيقه فعلاً: حيث لجأ المشروع إلى التنازل بـ: العقل والنقل من عند الله معتبراً أنه حل الصراع السياسي الديني القديم حول العقل والنص. وهو خلاف مازال مستمراً إلى يومنا هذا. وذلك بأنهم اعتبروا أن العقل موجود. وهنا توجد لعبة سياسية فالطرفان المتخاصمان (داخل الفقه الإسلامي) لم يختلفا على أن العقل من عند الله أو لا. الخلاف أن الطرف الأخر للطرف السلفي يرى أن العلم له قوانينه المستقلة التي لا تقبل تدخل الفقه بها لأنها أصلاً قوانين علمية وفلسفية ولا تقبل إخضاعها لتأييد الاجتهاد والشريعة مهما كانت نتائجها العلمية ومنها الفلسفية. ومطلوب من قادة الجماعة الرد على هذا. والتخلي عن التشبث بالبراغماتية وأن ينتقلوا فعلاً إلى الإسلام الحنيف أو يظلوا في طيف السلفية المتشددة.

■■

 

 

 

 

مناهج دولة الإخوان

 

ترى الجماعة أن المنهاج التربوي والنظام التعليمي يجب أن يستند إلى الإسلام الحق متجنباً (غثائيات النظريات والأفكار). وترى أن الحرية مطلوبة ولكن يجب أن تتجنب المس بثوابت الأمة. وهنا دور الرقابة الإعلامية التي تنبثق من تطبيق هذه الثوابت وعدم المس بها. والثوابت كما مر معنا تستند إسلامياً وقومياً (العروبة) إلى تفسير متشدد للإسلام وانتماء متشدد ايضاً للعروبة يجعلها مقدسة لاستنادها للنص (حب العرب إيمان وبغضهم نفاق).

نحن هنا استبدلنا الرقابة الشمولية القومية أو الاشتراكية أو الفاشية برقابة شمولية دينية هي اقوى بما لا يقاس لارتباطها بمنع إلهي مقدس لا يجوز تجاوزه ولا مناقشته وبالتالي تصبح الرقابة الخانقة مضاعفة إلى ما لا نهاية. فستشمل ليس فقط (المنع) وإنما لماذا تستند إلى النصوص. وسيكون عقابها ليس المنع من الكتابة فقط وإنما الاتهام بارتكاب الكبيرة حيث أنه من الكبائر الـ 76 كتم العلم عن الناس. فإذا كنت إعلامياً أو واضع مناهج فإنك تعتبر مرتكباً لكبيرة إذا لم تكرر في الإعلام الفقه المتشدد ومصيرك (دماؤهم وعرضهم ومالهم). ويا محلى الرقابة الشمولية بالنسبة لهذا!.

آخر تعديل على السبت, 09 كانون2/يناير 2016 20:42