النافذة والبحث عن قيمة الأشياء
واكبت «جريدة قاسيون» بعض فعاليات التظاهرة المسرحية الأكاديمية «أول الحكاية» التي أقامها المعهد العالي للفنون المسرحية في شهر تشرين الأول الماضي، وكان من ضمن هذه الفعاليات العرض المسرحي «النافذة» لمؤلفه «إرينيوش اريدينسكي» وإخراج «مجد فضة».
أدخلنا العرض إلى بيت شابين متزوجين يواجهان مشكلة منذ سبعة أيام، وهي أن الزوج لا يغادر الكنبة الموضوعة أمام النافذة، ينتظر هناك ضوءاً لمع منذ سبعة أيام وخبا بعدها. الزوجة لم تعد تحتمل أكثر تجاهل زوجها لها وإهماله المتزايد لنفسه وبيته، وأصبحت حالته مصدر قلق لها، تحاول جاهدة أن تكشف ما يأخذ عقله لكن الصدق في إجابته بدا وكأنه مجرد حججٍ واهية ليخفي حقيقة اهتمامه بالنافذة!
وكما هو متوقع، فإنّ وضعاً متوتراً كهذا سيخلق المشاكل ويدفعهم لسحب مشاكلهم القديمة «الكبيرة منها والصغيرة» إلى السطح.
للوهلة الأولى كان كلام الزوج غير منطقي ومبهم عكس كلام الزوجة التي بدت وكأنها صوت العقل والمنطق، لكن الزوج بدفاعه عن أهمية هذا «الضوء» قلب الأدوار: «أنا مثل الآخرين، معظم البشر مثلي، غالبية المجتمع الذي نعيش فيه هكذا! حيث يعمل الناس فيه، يحبون، ويمارسون الجنس، يلهون ويمرحون أما أولئك الذين على شاكلتك فيريدون أن يعرقلو الآخرين في تحقيق ما يرغبون! أنتم الذين تريدون أن تثبتوا للعالم ان لا شيء له قيمة»
هذا الجدل بين الإثنين ازداد عمقاً وتأثيراً إذ بات يمس بمفاصله (الجمهور)، الزوج الذي فقد الإحساس بقيمة كل شيء حتى أثاث البيت والذي أصبح بلا قيمة ولا يعني له شيئاً.
في النهاية ترى الزوجة عبر النافذة نفسها الضوء ذاته الذي رآه الزوج منذ سبعة أيام، فتنقلب الأدوار، وتبدو وكأن روحها باتت معلقة بهذا الضوء.
قد تختلف دلالة الضوء بالنسبة للجمهور، ولم يكن من المهم توضيح معنى هذا الضوء، لكنه بلا شك شيء غائب في حياتنا، هو ما يعطي قيمة لكل ما حولنا وكل ما نفعله لذا إذا ما ومض الضوء-القيمة سيكون الخيار الصحيح هو التشبث كي لا نضيعه من جديد!
قدم العرض في استديو صغير، هذا ما جعل الجمهور قريباً من الحدث أكثر من المعتاد، وكأنك دخلت خلسة إلى بيت الزوجين دون أن يلحظاك، لتشهد كل ما جرى وانت قابعٌ في الظلام، تشعر بأثر ضوء النافذة على وجه الزوج، تستطيع تمييز روائح ما يشربون، تسمع الموسيقا وصوت الماء يغلي وترى البخار بوضوح، بساطة الديكور وواقعيته ساعد في ترسيخ واقعية ما يجري.
غالباً ما تذهب كل الأعمال الفنية التلفزيونية أو المسرحية لتصور بدقة وقائع الحرب الدائرة والتفاصيل المرافقة، إلا أن هذا الشكل السطحي بمعالجة ما يجري حولنا قد فقد قدرته على التأثير، الأهم هو الذهاب إلى الآثار التي تطبعها الحرب على حياتنا بوصفها خلفيةً للحدث لا الحدث بحد ذاته. استطاع عرض النافذة تسليط الضوء على حياتنا، براهنيتها المرّة ومحاولاتنا المستمرة الحفاظ على ما تبقى من قيم فيها بعد أن فقدت أشياء كثيرة من حولنا قيمها.