حكايانا.. لا تنتهي!
تظهر وسائل التعبير عن الوعي الجمعي عند شعوب الشرق، علاقات التأثر والتأثير المتبادل بينها، وتعكس من خلال اللغة والأدب التشابه في طرق التفكير والتعبير عن نماذج الحياة المختلفة وتبين قصصها المروية والمنقولة عبر الزمان الطابع الإنساني الأصيل لهذه الشعوب.
تحدث البروفيسور قناتي كردوييف، ود. مارغريتا رودينكو، في أطار مشروعهما عن الفلكلور والأدب الكرديين، ودراستهما لبعض الملاحم الكردية، أن الآداب تتأثر وتؤثر في بعضها، وتترابط بعلاقة تكامل، وتلاقح تاريخي. ولا يمكن تصور أو دراسة الأدب الكردي بعمق إلا من خلال علاقته بهذه الآداب «الفارسية والعربية والتركية والأرمنية والجورجية»وغيرها.
يعتبر البروفيسور «قناتي كردوييف» 1909 – 1985 من أهم الكردولوجيين* في القرن العشرين، درس الفلسفة والأدب في جامعة لينينغراد عام 1931 ونال شهادة الدكتوراه في علم اللغة عام 1941. عمل كباحث في أكاديمية العلماء السوفييت، ومن ثم أستاذاً مساعداً في اللغة الكردية في معهد الاستشراق بجامعة لينينغراد، ثم عمل في معهد اللغات الشرقية في أكاديمية العلوم السوفييتية وأصبح رئيساً للقسم الخاص باللغة الكردية في المعهد عام 1961 .
ترك 85 عملاً أدبياً باللغات الكردية والروسية، منها قواعد اللغة الكردية قاموس كردي «كرمانجي» روسي، قاموس كردي «سوراني» روسي، بالاشتراك مع زارا يوسف، النصوص الفولكلورية الكردية، تاريخ الأدب الكردي، ملحمة ممو وزين وغيرها.
«يوسف وزليخة»
وجدت مخطوطة لملحمة كردية قديمة بعنوان «يوسف وزليخة»، اعتماداً على الوثائق والمخطوطات الموجودة في مكتبة شيدرين العامة للدولة في لينينغراد، تعود إلى القرن السادس عشر كتبها الشاعر سليم سليمان من بدليس، وقد نالت مارغريتا رودينكو، رسالة دكتوراه حول هذه الملحمة من جامعة لينينغراد عام 1973 بعنوان: « يوسف وزليخة، الأدب والفولكلور والتراث الكردي»، وأكدت رودينكو أنه توجد ملحمتان فارسيتان بالاسم نفسه، كتب إحداها «الفردوسي» والأخرى «الجامي»، كما توجد ملحمة تركية أيضاً بالاسم نفسه كتبها «علي شياد حمزة» وتتقارب الملاحم الأربعة زمنياً، وتتشابه في بعض الفصول والمقاطع، وتختلف في بعضها الآخر، وأكدت رودرينكو وجود دلائل على التأثير المتبادل بين الثقافات الفارسية والتركية والكردية والعربية من خلال احتوائها على كلمات كردية وعربية وتركية وفارسية. وأكدت رودينكو وجود ملاحم شبيهة شفهية، تنتشر بين أكراد القفقاس وتركمانستان.
«مم وزين»
تعود ملحمة الحب القديمة «مم وزين» إحدى ملاحم التراث الكردي القديم في الجزيرة، إلى مئات السنين. ينحدر بطلها «ممي آلان» من الشعب القفقاسي القديم، «الآلانيون أو الأوستينيون» فقد جاء في بعض المراجع، أنه نتيجة الهجرات القديمة التي قاموا بها إلى منطقة الجزيرة السورية والجزيرة التركية الحالية، حيث مازال أسلافهم يعيشون هناك، قد حملوا التأثيرات القفقاسية الثقافية معهم إلى هذه المنطقة.
«فقي تيران»
كتب فقي تيران العديد من الملاحم منها ملحمة ملوك الغورج، أو «الجورجيين»، يتحدث فيها عن مغامرات أحد ملوك جورجيا القدماء، ويُذكر أن تعبير «الغورجي» أو الجورجي في الأدب الكردي يأتي مرادفاً للجمال، حسب القاموس الكردي الحديث، وكان يقال: أن تلك الفتاة جورجية، أي جميلة لا مثيل لها.
اللغة العربية
وفي هذا السياق، يظهر التأثير المتبادل بين الإرثين الثقافي«العربي» و«الكردي» والتكامل بينهما، وتُظهر ذلك بعض الملاحم والقصائد الكردية القديمة (زمبيل فروش أو بائع السلال، أشعار ملا جزيري، وملا أحمد باتي، وملاحم أقوال الحصان الأسود وقلعة دمدم وأساطير الفتى رهوان والفتاة ذات الجدائل) وغيرها.
* كان كردوييف من ضمن مندوبي المؤتمر الأول للكردولوجيا الذي انعقد عام 1935 في الاتحاد السوفييتي الذي أعد أساتذة اللغة الكردية في ذلك الحين، تنفيذاً لسياسة الدولة السوفييتية وأرسلهم إلى القرى والبلدات الكردية في آذربيجان وأرمينيا وجورجيا وكراسنادار وتركمانستان للقضاء على الأمية في تلك النواحي ومن بين هؤلاء خرج كبار الأدباء مثل عرب شاميلوف – جاسم جليل – وزير ناديري – جليلي جليل – حاجي جندي – عتاري شرو – عفدال أمين – نورا بولاتوفا وغيرهم.