نور الشريف: «يا مسافر وحدك..!»

نور الشريف: «يا مسافر وحدك..!»

رحل يوم الثلاثاء 11 آب 2015، أحد أركان السينما المصرية، الفنان نور الشريف عن عمر ناهز 69 عاماً بعد صراع طويل مع المرض. الممثّل الذي استطاع التأثير في وجدان ونفوس الناس، وكان صاحب رؤية في الفن والحياة والسياسة.

ولد محمد بن جابر محمد عبد الله المعروف بـ(نور الشريف) عام 1946 في حي السيدة زينب بالقاهرة لأسرة مصرية بسيطة الحال، تنحدر من إحدى قرى محافظة المنيا شمال الصعيد، درس حتى الثانوي في حي السيدة زينب، والتحق بكلية التجارة لكنه لم يكمل، إذ قدم أوراقه إلى المعهد العالي للفنون المسرحية بالقاهرة وتخرج منه عام 1967، وكان الأول على دفعته، وقد تزامن ذلك مع النمو النوعي السريع للسينما المصرية منذ منتصف الخمسينيات، إذ شهدت تباشير قفزة جديدة مع إنشاء المؤسسة المصرية العامة للسينما. أحب الرياضة ولعب كرة القدم  ضمن نادي الزمالك، ولكنه تركها لأنه أحب التمثيل أكثر. لعب دوراً صغيراً في مسرحية «الشوارع الخلفية»، ثم أدى دور «روميو» في مسرحية «روميو وجولييت».

بعد تعرفه على الفنان عادل إمام، قدم شخصية كمال عبد الجواد في فيلم «قصر الشوق»، المأخوذ عن ثلاثية نجيب محفوظ عام 1966، ثم اختير ليكون أحد أبطال مسلسل «القاهرة والناس»، وأكمل مشواره في السينما بأدوار غير رئيسية. بدأ مشواره الحقيقي الاحترافي  في الأعوام الأخيرة من السبعينيات وقدم في تلك المرحلة مجموعة من الأفلام المهمة، أبرزها مع المخرج علي بدرخان كـ«الكرنك»، و«أهل القمة»، الأول كان ضد مافيا التعذيب، والثاني حذر فيه من خطورة سياسات الانفتاح في عهد السادات. وقدم أيضاً الكثير من القصص المنوعة سينمائياً على مستوى الكوميديا، مثل «البعض يذهب للمأذون مرتين»، والفيلم الجريء في ذلك الحين «قطة على نار»، عن المثلية الجنسية، ثم  فيلم «دائرة الانتقام»، و«ضربة شمس».

قدم في الثمانينيات سلسلة من الأفلام التي دخلت تاريخ السينما المصرية، كان أهمها «سواق الأوتوبيس» (1982) الذي وثق انهيار الطبقة الوسطى في مصر، وفيلم «كتيبة الإعدام»، الذي يروي من خلال شخصية  حسن عز الرجال، فترة المقاومة الشعبية للاحتلال الصهيوني في منطقة قناة السويس،  كما برع في تجسيد شخصية مدرس أجبر الدولة على البحث معه عن طفلة تائهة في فيلم «آخر الرجال المحترمين»،. ثم قدم الفيلمين الشهيرين «العار»، و«جري الوحوش»، وكانت للشريف علاقة تعاون خاصة مع يوسف شاهين عبر أفلام عدة، فقد اختاره شاهين لتقديم دور الفيلسوف العربي الأندلسي ابن رُشد خلال أحداث فيلم «المصير»، وجسّد نور الشريف بمهارة نادرة صورة المعلّم يوسف شاهين على الشاشة، في «حدّوتة مصريّة» (1982)، الجزء الثاني من ثلاثيته البيوغرافيّة (بين «إسكندريّة ليه؟» و«اسكندريّه كمان وكمان»). 

أما في الدراما فقد قام بدور البطولة في العديد من المسلسلات التليفزيونية، منها «مارد الجبل، وثمن الخوف، والحرافيش، والقاهرة والناس، وهارون الرشيد، وعمر بن عبد العزيز، ولن أعيش في جلباب أبي، وعائلة الحاج متولي، وحضرة المتهم أبي، والدالي..الخ».

ومن المسرحيات التي شارك فيها «القدس في يوم آخر»، وياغولة عينك حمرا، والأميرة والصعلوك، ويا مسافر وحدك، وكنت فين يا علي..الخ».

رغم الجوائز وشهادات التقدير العديدة التي حصل عليها، مثل «جائزة أحسن ممثل» عن دوره في فيلم ليلة ساخنة، وجائزة مهرجان نيودلهي عن فيلم «سواق الأتوبيس». وأربع جوائز عن فيلم «يا رب توبة»، وجائزتين عن فيلم «الشيطان يعظ»، وثلاث جوائز عن فيلم «قطة على نار» من جمعية كتاب ونقاد السينما وجمعية الفيلم،  تبقى أفضل جوائزه تلك التي حصل عليها من جمهوره الذي أحبه وتابع أعماله بشغف. رحل الشريف ليترك لأجيال حالية وقادمة رصيداً بحوالي 243 عملاً فنياً.

 عاصر نور الشريف تحولات السينما المصرية، وقدم نموذجاً مميزاً فيها، تميز بشخصيته وأدائه التلقائي، معبراً عن اهتمامه بتطلّعات البسطاء، والقضايا الكبرى، وكان فيلم «ناجي العلي» (1992) هو الأبرز «سياسياً» في مشواره الفني السينمائي، وقد كلّفه الكثير، ولكنه لم يكن الحدث السياسي الاستثنائي، إذ قدم قبله مسرحيّة «القدس»، وكانت آراؤه السياسية حاضرة دائماً وإن امتنع عن الإدلاء بها إلا في الوقت المناسب، وقد قدم أيضاً دوراً جريئاً في فيلم «ليلة البيبي دول»، عام 2008، مثّل فيه دور سجين في سجن «أبو غريب» العراقي الذي تعرض سجناؤه لانتهاكات إنسانية فظيعة من جنود الاحتلال الأميركي.

 

آخر تعديل على السبت, 15 آب/أغسطس 2015 16:10