«مصيبتي.. ومصيبتك»!

«مصيبتي.. ومصيبتك»!

يوماً بعد يوم، وعاماً بعد آخر، تستمر فصول الأزمة السورية، وتشتد مأساويتها لدرجة لم يعد لدى البعض الرغبة ولا القدرة على عد الأيام والشهور كما كان يفعل في البداية، ولا حتى ترف التوقف قليلاً  لمعرفة إلى أين وصلنا، وإلى أين ذاهبون. 

اليوم، وبعد أن تدهورت الحالة المعيشية لأغلب السوريين ووصلت إلى حدودها القصوى، لم يعد خافياً على أحد حجم الدمار الهائل في كل مناحي الحياة، وكيف وصلت الأمور إلى حدود مأساوية، طالت عيش الناس وأرزاقهم، حتى بات كثيرون يعيشون على الفتات، ولم يعد غريباً أي مشهد من مشاهد ومظاهر البؤس العميقة والواضحة عند الناس، وأصبح مجرد العيش يوماً آخر في بعض المناطق مأثرة بحد ذاتها.

 تتآكل الحقوق يوماً بعد آخر، ويذوق كثير من الناس طعم الذل لأول مرة في حياتهم، وما كان يعتبر حقاً من الحقوق الطبيعية للإنسان تحوله ظروف الأزمة الصعبة إلى واقع معاش، علينا أن نرضخ له ونعيشه كما هو، فليس هناك ما هو أفضل!. والأخطر في كل هذا أن يقوم البعض بالتسويق لفكرة القبول بما حدث ويحدث كل يوم، من خلال الاكتفاء باجترار واقع الحال، فالحديث كل يوم بالمشكلة يكفي لـ«التنفيس» والشعور بالراحة، وتصبح «مصيبتك» هيّنة أمام «مصائب» الآخرين. إنه حل ناجح، يخفف صعوبة «ظروف الأزمة الصعبة»، والتي تعتبر حجة دائمة وربما حجة ناجحة، ولكنها يا للمفارقة «ظروف صعبة» على الفقراء فقط، دون الأغنياء!

فبينما يلاحق الناس على الفتات الذي يلهثون وراءه لأجل العيش تحت ذرائع كثيرة، هناك من يأخذ كل شيء، هناك من يستمر في نهب البلاد والحصول على ما بقي من خيراتها، دون أن يحاسبه أحد. وبدلاً من ذلك يجري ليس فقط التغاضي عن ممارسات هذه الفئة، بل تخديمها من خلال شرعنة نهبها وسيطرتها، وتبرير كل الموبقات التي تقترفها سواء فوق الطاولة أو تحتها. أما الفتات فهو حصة الأغلبية التي يمنّ هؤلاء عليها بـ«عطاياهم». ضاربين بعرض الحائط حقوق الناس وكراماتهم.

الكرامة ليست مجرد إحساس أو شعور بالانتماء كما يحلو للبعض تصويرها وتسميتها، وكما يحلو لوسائل إعلام ترويجها، بل هي حقوق يجب أن يحصل عليها الإنسان ليتمكن من ممارسة حياته والشعور فعلاً بكرامته. 

ماذا تكون الكرامة عندما تكون دون حقوق؟ ماذا ستعني لك كرامتك عندما تسلب حقوقك البسيطة كإنسان أمام عينيك دون أن يكون لديك القدرة على الدفاع عنها؟ كيف ستشعر بالانتماء وأنت تجري كل يوم لاهثاً وراء حاجاتك اليومية، وأنت تُطحن كل يوم؟ أين هي كرامتك عندما يُحمّلك «آخرون» وزر كل ما حدث ويحدث؟  

وتكمن المشكلة في أن التعامل الإعلامي مع ما يحدث، واعتبار عرضه على الشاشات كافياً في كثير من الأحيان ليكون بديلاً عن حل حقيقي شامل ينتشل المواطن من الحالة التعيسة والمزرية التي يعيشها. 

ما يبقى ثابتاً هو حقيقة أن محاولات تدجين الوعي الاجتماعي ومحاولات تكريس الذل باعتباره أمراً طبيعياً ومقبولاً، لن تصل إلى مكان. كل ما ستفعله هو مراكمة المزيد والمزيد من الاحتقان..

آخر تعديل على الأحد, 22 شباط/فبراير 2015 20:11