ممدوح عدوان: «نحن لا نتعوّد إلا إذا مات شيء فينا..»

ممدوح عدوان: «نحن لا نتعوّد إلا إذا مات شيء فينا..»

ممدوح عدوان المبدع في الشعر والمسرح والرواية والكثير من الأعمال التلفزيونية والمقالات، يحمل هواجسنا في أدبه وأعماله، يوثق ويرصد أحوال البشر، ويكشف عن الوحش المختبئ في أعماق الإنسان.. يدق ناقوس الخطر قبل وقت طويل مما وصلنا إليه.

في أواسط ستينيات القرن الماضي بدأ ممدوح عدوان، المتمرد على كل قبيح.. سواء كان القبح السياسي المتمثل بالاستبداد ومشتقاته.. أو القبح الاجتماعي وظهور طبقات طفيلية تسلقت على حساب الناس.. والمدافع عن الإنسان المضطهَد وحقه في العيش الكريم، رحلته في المسرح، فكتب مسرحية شعرية بعنوان «المخاض»، روى فيها سيرة المتمرد الشعبي «بوعلي شاهين» العالقة في وجدان وضمير الناس، محاولاً تقديم  بعض الإجابات على أسئلة عدة، منطلقاً من فهمه لوظيفة الثقافة والأدب عموماً والمسرح خصوصاً.

لكنه عندما اكتشف لاحقاً أن الشعر لم يعد يصلح للمسرح، كما كان في السابق، لم يعِد تجربة كتابة المسرح الشعري حيث ارتبط المسرح الشعري الذي كتبه كل من موليير وراسين وشكسبير ارتباطاً عضوياً بطبيعة وطريقة إلقاء الشعر والعرض المسرحي معاً في العصور التي وجد فيها. ولم يخف رأيه في هذا الموضوع: «أن الوحيد الذي كتب مسرحاً شعرياً ناجحاً هو شكسبير فقط».

 مع ذلك، بقي التأثير الشعري واضحاً في مسرحياته اللاحقة ومنها مسرحية «هاملت يستيقظ متأخراً» التي استحضر فيها هاملت شكسبير وحاوره، وكانت شخصية «هوراشيو» تقول روايتها شعراً أثناء تعليقها على بعض المواقف في المسرحية، ومسرحية و«ليل العبيد» التي لم تخل من لمسة شعرية خاصة عندما يلجأ «وحشي» للتعبير عن أحلامه فيتماهى مع شخصية عنترة ويغني أشعاره، أما مسرحية «كيف تركت السيف» فقد جعلت الكثير من شخصيات المسرحية تعبر عن رأيها شعراً، بالإضافة إلى  ترجمة ممدوح لكتاب رونالد بيكوك «الشاعر في المسرح» في أوائل الثمانينيات.

بعدها أصبح حضور الشعر في أعماله المسرحية اللاحقة موظفاً بما يخدم البنية الدرامية للنص فقط،  كما في مسرحيتيه «أيام الجوع / سفر برلك» و «حكي السرايا حكي القرايا» فقد طعمهما بتوابل من الشعر العامي.

«حيونة الإنسان»..

في كتابه الممتع «حيونة الإنسان»، يتعمق ممدوح عدوان في تحليل ظاهرة القمع وتحول الإنسان إلى سلعة في ظل قوى قامعة لإرادته وآرائه، ويبحث في تسلط أولئك الذين يحاولون أن يكونوا بديلاً عن الناس، يفكرون عنهم ويتصرفون بمصائرهم وكأنهم الأفهم والأحرص على مصالح «الشعب والوطن»!! باحثاً في تورط الإنسان الأعزل أمام سطوة قوة غاشمة لا يستطيع مقاومتها، مؤكداً أن «الإنسان الذي غرست أنظمة القمع خوفاً عريقاً في نفسه يشجع كل من حوله على التطاول عليه».

يأتي كتابه هذا وكأنه استكمال لكتابه النثري الذي أصدره في بداية ثمانينيات القرن المنصرم (دفاعاً عن الجنون) حيث نقرا على غلاف الكتاب السابق ما يلي:

«كان لدى الإنسان حلم جميل. . .. لكن تتالي الأحوال فتح في هذا الحلم جرحاً... وبين الحين والآخر ينتبه الإنسان إلى خسارته الفاجعة هذه، فيدرك أنه صار يجهد لمنع نفسه من الانحدار عن مستواه الإنساني إلى مستوى الحيوان، وحين يقاوم تتخذ مقاومته نوعاً من أنواع الجنون».

تراجيديا البطل 

عالج، مفهوم البطل بأكثر من طريقة وعلى أكثر من مستوى، وما جمع هذه  المعالجات أن البطل فيها كان تراجيدياً، وغالباً ما كانت تنتهي حياته نهاية فجائعية، وهكذا كانت مسرحية «زيارة الملكة» التي  أكدت أن  بمقدور أي شخص منا أن يكون بطلاً، إذ ليست البطولة حكراً على نوع أو صنف من البشر دون سواهم.

أما في مسرحية «حكايات الملوك» سيكون البطل جماعياً ألا وهو الناس البسطاء المهمشون الذين سيترددون كثيراً قبل أن يتجرأوا على الحلم الذي يدفعون ثمنه! 

أما في «آكلة لحوم البشر» فكان البطل من حملة الشهادات الجامعية، لكن سيرة حياته لم تخل من مأساة ، شأنه في هذا شأن الأبطال في «سفر برلك» و«الزبال» و«الخدامة» و«القيامة»... الخ. 

 الأديب السوري ممدوح عدوان  من  أهم الكتاب والمثقفين السوريين،  (1941-2004)ولد في قرية قيرون بمحافظة حماة وحصل على ليسانس الآداب قسم اللغة الإنجليزية من جامعة دمشق وعمل في بداية حياته بالصحافة والتلفزيون السوري، وكان عضواً في جمعية الشعر في سورية. وله العشرات من الكتب التي تنوعت بين الشعر والمسرح والقصة والترجمة والنقد الأدبي..

حصل على عدة جوائز ثقافية وأدبية، ومن مؤلفاته: المخاض والظل الأخضر ورواية الأبتر، وتلويحة الأيدي المتعبة ومحاكمة الرجل الذي لم يحارب والدماء تدق النوافذ، لو كنت فلسطينياً، ليل العبيد، زنوبيا تندحر عداً، هملت يستيفظ متأخراً.. والكثير غيرها. كما نقل إلى العربية «سد هارتا» لهيرمان هسة، ومذكرات كازنتزاكي 81-1982.