الضروري والممكن!
تعتبر السياسة في إحدى جوانبها فن ثنائية «الضرورة والإمكانية»، الضرورة بمعنى، ما يجب أن يكون، والممكن في هذا السياق هو ما يمكن تحقيقه في الظرف الملموس للوصول إلى ما هو ضروري.
العلاقة بين حدّي الثنائية علاقة تكامل، ومن هنا فإن الموقف في ظروف الأزمات يستوجب أول ما يستوجب، معرفة الضرورة التاريخية التي يفرضها الواقع الموضوعي، ومعرفة حدود الممكن المتعلق غالباً بتوازن القوى سواء أكان في اللحظة التاريخية المحددة، أم في سياقها العام.
«الضرورة» الأساسية في الظرف السوري الراهن بعد هذه السنوات اللاهبة هي الحل السياسي، باعتباره الأداة الوحيدة للحفاظ على سورية كدولة: الحقيقة التي وصلت اليها أغلب القوى السياسية، على الاقل في مواقفها المعلنة ولو متأخرة، ليبدأ الخلاف على ما هو «ممكن»، على الملموس، على الإجرائي، وعلى ماهية حدود الحل السياسي، ومدى قابلية القوى المختلفة لقبوله..؟
إنه تحدٍ جديد أمام العقل السياسي السوري، بغض النظر عن موقعه في خريطة الصراع، طالما أن التجربة الملموسة قادت الجميع إلى القبول بالحل السياسي، تحدٍ يكشف عن مدى قدرته على ابتكار الحلول والوصول إلى توافق ما، على أساس تنازلات متبادلة تنسجم مع تصريحات كل الأطراف، أنهم يعملون لمصلحة السوريين واستمرار سورية، أي ليس على أساس الرغبات والنوايا الخاصة بهذا الطرف أو ذاك، توافق يتناغم مع الضرورة الثانية المطروحة على جدول الأعمال بالتوازي، وهي عملية التغيير العميق، التي يشكل الحل السياسي المطلوب أحد أهم مداخل وشروط نجاحها.
قد تختلف الآراء حول ما هو ضروري، وما هو ممكن، انطلاقاً من مصالح قوى الصراع، ولكن المحدد الأساسي لهما في أزمة بهذا المستوى، ليست مصالح ورؤية طرف سياسي ما، بل المصالح الوطنية العامة المتعلقة بسورية كدولة وشعب، الأمر الذي يفضي بالضرورة إلى تغيير الخريطة السياسية، وتحقيق «إمكانية» لجم غول الإرهاب، و«إقامة الحدّ عليه»، ودفنه في مقبرة الحل السياسي، وإلا فان الإقرار بـ«الضرورة» وحدها ربما لا معنى