انتفاضة الصيادين الأخيرة

انتفاضة الصيادين الأخيرة

قبل نحو 12 ألف سنة كان العالم يقف على عتبة نهاية المشاعية البدائية وبداية العبودية، حيث تجاورت جنباً إلى جنب ثلاثة أنماط من المعيشة، (قرى الصيادين المشاعية الأخيرة التي بدأت تختفي إثر ظهور قرى المزارعين المشاعية الأولى ونشأة المدن الأولى وظهور طبقة العبيد والأسياد).

بعد أن عاشت المشاعيات أو «قرى الصيادين» لفترة طويلة بالاعتماد على الصيد حصل تقسيم في العمل، ظهرت الزراعة وقرى المزارعين المشاعية الأولى «حوالي 12000 – 10000 سنة ق.م» كما ظهرت معها المدن الأولى حيث ساد لأول مرة الاستثمار والاستغلال ونشوء طبقتي العبيد والأسياد في المجتمع القديم مع ظهور جهاز الدولة كأداة قمع واستغلال.
رافق ذلك أحداث دموية وفظائع بحق البشرية ما زالت مستمرة في القرن الواحد والعشرين. عن هذه الفترة بالضبط يتحدث الفيلم الملحمي الخيالي «10000 سنة قبل الميلاد» كتب السيناريو رولان إيميريش وروبرت رودات وهارولد كلوسر وأدى الحوار عمر الشريف من إخراج رولان إيميريش عام 2008.
أسطورة الفتاة صاحبة العيون الزرقاء
يبدأ عمر الشريف حوار الفيلم عن أسطورة فيقول: «وقت واحد يمكن أن يعلمنا ما هي الحقيقة، وما هي الأسطورة، بعض الحقائق لا تنجو، ولكن أسطورة الفتاة صاحبة العيون الزرقاء ستعيش إلى الأبد!».
يصور الفيلم قصة إحدى قرى الصيادين التي تعيش على صيد الماناك «الماموث»، حيث يعتبر الصيد مقياساً لدور الفرد في الجماعة في مجتمع الصيادين الصغير هذا، فأحدهم مثلاً يصطاد من أجل الزعامة، وآخر يصطاد من أجل أن يحظى بزوجة! ويرتبط وعي هؤلاء بالصيد تماماً وزعيم المشاعية يدعى بالصياد الأكبر، وتمتلئ الأساطير والخرافات بمصطلحات الصيد مثل (روح الصياد العظيم ونبوءة الرمح الأبيض..).
في ليلة ما، تحدث غارة على المشاعة من قبل تجار الرقيق والجنود من المدينة الكبيرة، ويتم سوق الرقيق ومن بينهم «إيفوليت»، الفتاة ذات العيون الزرقاء وهنا يبدأ الصياد الشاب «ديليه» رحلته من أجل استعادة حبيبته مع بعض الصيادين.
في الطريق يصل إلى مشاعة تختلف عن قريته تماماً، يمارس سكانها الزراعة ويتكلمون لغة أخرى، وتحدث مصادفة أن يتحدث إلى نمر أنقذه سابقاً، فيستقبله السكان ويطلعونه على نبوءة «الصياد الذي يتحدث إلى الروح المقدسة»، ويقصدون النمر على أنه مخلصهم ومخلص أبنائهم المخطوفين في المدينة الكبيرة.
اجتمعت عشائر المزارعين التي تطلق على نفسها أسماء مثل الطيور العظيمة والأرواح المقدسة (النمور) وغيرها. وسار الصيادون والمزارعون باتجاه نهاية رأس الأفعى لإنقاذ أبنائهم بقيادة الصياد «ديليه».
عبيد «رأس الأفعى»
كان المزارعون يطلقون اسم نهاية رأس الأفعى على المدينة الكبيرة المحصنة بالأسوار لأنها تقع عند نهاية نهر، وبما أنهم يخافون النهر ولا يعرفون ما هو بالضبط ويشبه مجراه عبر الصحراء كأفعى كبيرة فأطلقوا عليه هذا الاسم.
في هذه المدينة نصب رجل نفسه إلهاً على البشر، وأحاط بنفسه بعدد من الكهنة وجيش من المقاتلين، واحتكر علوم الفلك والإبحار الأولى، يأمر جنوده بالغزو لجلب الآلاف من الرقيق لبناء أهرامات وقلاع ضخمة حول مدينته.
النبوءة
كان الكهنة يخدعون العبيد ويقولون لهم: «أنتم ملك للآله وعليكم أن تنفذوا أعماله» حتى تتحقق النبوءة التي تقول بظهور الصياد والفتاة ذات العيون الزرقاء التي على يدها علامة من النجوم! وكل ذلك من أجل أن يعمل العبيد لخدمتهم على أمل هذه النبوءة دون تململ من قساوة العمل، ولكن ويا للصدفة، لقد ظهر الصياد «ديليه» وبقيادته جيش من الصيادين والمزارعين على أبواب المدينة الضخمة وظهرت الفتاة ذات العيون الزرقاء «إيفوليت» أيضاً، وعلى يدها أثار الجلد والضرب تشبه خارطة توزع النجوم في السماء، وتتحقق النبوءة!!
تسلل المحاربون في هيئة عبيد إلى داخل الأسوار واجتمعوا بالمخطوفين، وبدأ التمرد، حيث بدأ جيش كبير من الصيادين والمزارعين والعبيد الزحف إلى قلعة مدعي الألوهية ومستغل البشر الذي يخافه الجميع. وجه «ديليه» إليه رمحه قائلاً: «أنت لست إلهاً»، ثم قتله فتدحرج الأخير أمام الناس وهجم الجميع على حاشيته واحترقت المدينة وتهدمت بالكامل.
وهكذا استعاد «ديليه» فتاته، وتعلم فنون الزراعة أثناء عودته إلى قريته، فانتقل الجميع للعمل في الزراعة والصيد معاً كما جرى تبادل البضائع مع القرى المجاورة.
حدثت انتفاضة الصيادين الأخيرة لرفع الاستغلال عنهم، ولكن ذلك لم يمنع من سيادة إسلوب الإنتاج العبودي القائم على استغلال البشر فيما بعد، إذ لم يكن ممكناً حدوث ثورة اجتماعية تصل إلى غايتها بالعدالة الاجتماعية وذلك لأن تطور القوى المنتجة في ذلك الوقت لم يسمح بذلك.