فيديو مفبرك من حرب حقيقية

فيديو مفبرك من حرب حقيقية

لا فائدة من تتبع  التسلسل الطبيعي لسرد الحكاية فيما يتعلق بالفيديو الجديد (الطفل السوري الشجاع)، الذي يحاول إنقاذ أخته، تحت نيران القصف. في منطقة مجهولة في سورية. ثم كشف «الخاتمة المفاجئة» بأن الفيديو الذي حصد ملايين المشاهدات باعتباره مشاهد حيّة كان مفبركاً، أو بالأحرى فيلماً تم تمثيله لغرض محدد.

قبل عدة أيام شعر الكثير من الناس بأنهم خدعوا حينما اكتشفوا أنهم صدقوا فيديو مفبرك.

مخرج الفيلم لارس كليفبرغ (34 عاماً) صرّح لـ«بي بي سي» أنّ الشريط من تأليفه، وأنّه قام بتصويره في أيّار الماضي، داخل موقع استخدم سابقاً لتصوير أفلام سينمائية. أوضح كليفبرغ إنّه تعمّد نشر الفيديو على أنّه حقيقي، بهدف فتح النقاش حول حقوق الأطفال في مناطق النزاع. كشفت البي بي سي أيضاً أن الطفلين ممثلان محترفان من مالطا والأصوات التي تظهر في خلفيّة الفيديو هي للاجئين سوريين إلى الجزيرة. 

وبعد كشف السر، بدأت وسائل الإعلام العربية بتحليل الحادثة. كتبت صحيفة السفير: «أراد مخرج العمل لفت النظر إلى مآسي الأطفال في الحروب، إلا أنّه سلّط الضوء على قضيّة خطيرة أخرى، وهي سهولة خداع وسائل الإعلام والمشاهدين، بالمواد المنتشرة على مواقع التواصل، إلى جانب صعوبة تدقيق الفيديوهات مجهولة المصدر على «يوتيوب»، خصوصاً تلك المنشورة على أنّها أخذت في سورية».

وفي مقاله كتب صهيب عنجريني في جريدة الأخبار يقول: «خرجَ المخرج ليخبرنا بالفم الملآن ما مفادُه أنّه ضحكَ علينا، أنّه خاض رهاناً يعتمد في الدرجة الأولى على غباء الرأي العام». ويضيف الكاتب في موضع آخر: «هنا مربط الفرس. إذ تكاد رغبة مختلف الجهات في «تحييد العقول» أن تكونَ أبرز العناوين العريضة للحرب السورية».

هذا ولم تُخف قنوات الإعلام الرسمي فرحها بالمستمسك الجديد. إذ سخر تقرير «من هو القاتل» على الإخبارية السورية (15-11) من «قنوات التضليل ومواقع الدجل» التي عرضت التسجيل باعتباره حقيقياً: «فاعتصرت القلوب حزناً ودمعاً أغرق المقل». كما يسخر المقال. تدعو الإخبارية جمهورها لاكتشاف هوية «القاتل». وبذات نبرة الصوت المسرحية يعلّق المذيع: «مرةً أخرى نكشفهم، مرةً أخرى نفضحهم، ومرةً أخرى نسقط القناع عن القتلة الحقيقيين» إذاً القاتل الحقيقي بالنسبة للإخبارية السورية هي وسائل الإعلام، ولا متهمين آخرين!

 يبدو أنه هذه المرة أيضاً، تجاهلت وسائل الإعلام طرح الأسئلة الأكثر أهميةً حول السبب الذي دفع الكثيرين لتصديق الفيديو بالرغم من أن الخدعة كانت مكشوفةً؛ فالطفل يتعرض لإطلاق النار عدة مرات ومع ذلك يكمل سيره، ثم أن أي قطرةٍ من الدماء لم تلوّث ثيابه. إذا ما شاهد المرء الفيديو الآن بعد افتضاح السر سيقول في قرارة نفسه: «كيف صدقت هذا ؟». لكن في مقابل ذلك لا يبرر منطق الانتصار الذي تتحدث فيه بعض وسائل الإعلام الرسمية. عن أي نصرٍ يتحدثون؟! مقابل فيديو مفبرك واحد هناك عشرات المشاهد الواقعية لأطفالٍ قتلى، جائعين أو بردانين. وما تم تصويره أساساً نزرٌ يسير من معاناة الأطفال الذين كانوا ضحية الحرب الدائرة في سورية. في المقابل لا بد من الاعتراف أن الفيديو نجح في كشف هشاشتنا، والمدى الذي وصلت إليه شرائح واسعة من المجتمع في تغيّبها الحس السليم والمنطق الذي يجعلها تفرّق بين الحقائق والأكاذيب. وخصوصاً فيما يتعلق بالأطفال السوريين الذين جمعوا ما يكفيهم من دموعٍ أريقت حزناً عليهم. لتحاول وسائل الاعلام تحويلها إلى نقاط يسجلها كل طرف على الطرف الآخر، دون الخوض في ضرورة وقف رحى الموت هذه.

  بعد أربعة أعوام من الحرب المستعرة صار من المؤكد ألا سبيل للتأكد من موثيقة الصور ومقاطع الفيديو. لذلك على الناس أن يصدقوا عقولهم. فإن كانت وسائل الإعلام فبركت فيديو واحد أو مائة، تبقى الحرب السورية واقعاً حقيقياً غير مفبرك.