قادة أمريكا اللاتينية بين الشعبية والشعبوية
تناقلت بعض وسائل الإعلام الأسبوع الماضي خبر فوز رئيس بوليفيا إيفو موراليس بولاية ثالثة. وأشارت قناة فرانس 24 إلى أن الرئيس الذي تلقبه أمريكا «بالشيطان» أهدى فوزه إلى فيديل كاسترو وتشافيز. البي بي سي بدورها لم تبد سعيدة بفوز موراليس، ونقلت عن زعيم المعارضة جورغي كويروغا قوله إن ثمة تزويراً لتضخيم عدد مؤيدي موراليس. «وأن التلاعب بالأرقام حدث لتغطية تراجع شعبيته».
في المقابل نشرت الغارديان مقالاً بعنوان:« إيفو موراليس أثبت أن الاشتراكية لا تضر باقتصاديات البلدان». كاتبة المقال رأت أن وسائل الإعلام في أمريكا الشمالية لطالما سخرت من موراليس –على غرار تشافيز- باعتباره «الشعبوي المضحك» وشككت في أهليته.
لكننا لسنا بصدد تقييم أداء الرئيس موراليس، وإنما نحاول الوقوف على الطريقة التي تعاملت فيها وسائل الإعلام مع الرئيس «الاشتراكي» والتي تجبرنا على تأمل النماذج القيادية في القارة الجنوبية. وتعيد طرح النقاش حول طبيعة أمريكا اللاتينية وتوزيع توازنات القوى السياسية والاقتصادية فيها.
في البحث عن اسم موراليس عبر الإنترنت سيصل المرء إلى نتائج متضاربة. لكن المتفق عليه في ما كتب حول نشأته أنه من السكان الأصليين لبوليفيا. تعرض جريدة الغد الأردني مثلاً مقتطفات من سيرته الذاتية التي نشرت مؤخراً والتي تتحدث بأنه كان راعياً لحيوانات اللاما، يساعد والديه في الحقول منذ أن بدأ يمشي على قدميه. وتقتبس الجريدة عنه القول:«كنت أنام بثيابي التي كانت أمي تنزعها عني فقط لسببين: البحث عن القمل أو ترقيعها في المرفقين أو الركبتين». وتضيف الجريدة أنه وحينما تولى السلطة لم يغير أسلوبه وظل يرتدي الثياب التقليدية الملونة الشهيرة لمنطقة الأنديز ويصف نفسه -بشعره الأسود الكثيف وخديه الأحمرين- بأنه «الهندي الأسود القبيح الوجه صاحب الأنف الذي يشبه الببغاء».
كل ذلك يعيد إلى الذهن التفكير بالخصال الظاهرية المشتركة بين القادة والرؤساء الذين تعاقبوا على بلدان أمريكا الجنوبية. لا يمكن مثلاً تخيل فيديل كاسترو مرتدياً بدلة رسمية وخارجاً من مكتب محاماة عوضاً عن قبعته وبدلته العسكرية الشهيرة، بالرغم من تخرجه من كلية الحقوق في جامعة هافانا. وكذلك الأمر بالنسبة إلى هوغو تشافيز الذي لا يمكن تذكره دون قميصه الأحمر الشهير. يذكر في السيرة الذاتية لتشافيز أنه وُلِد في في الكوخ الطيني لجدته في قرية سابانيتا الفقيرة المعدَمة وظلّ وفياً للفقراء الذين عايشهم.
وكذلك الأمر فيما يتعلق ب« سائق الحافلات» الرئيس الفينزويلي نيكولاس مادور. والذي تسخر وسائل الإعلام الغربية من «شاربه» العريض الشهير. وتصوره كشخص بسيط يؤمن باللعنات والخرافات. وفي السياق ذاته يمكن تذكر الاكتشاف المفاجئ والاهتمام المفرط بخوسيه موخيكا، رئيس الأوروغواي «أفقر رئيس في العالم» الذي يعيش في مزرعته بعيداً عن القصر الرئاسي.
وبغض النظر إلى كل تلك التفاصيل التي كانت إحدى الدعامات الرئيسية في بناء صورة القادة في أمريكا اللاتينية. يمكن الاستنتاج أن تاريخ ونضالات شعوب أمريكا اللاتينية أفرزت خلال سنوات قائمة من الصفات التي يجب أن يتمتع بها القائد حتى ينال الرضا الشعبي بالحدود الدنيا. ومنها ما يسمى تهكماً ب«الشعبوية» وافتخاراً بـ«الشعبيّة »، إلى جانب الفهم العميق للبيئة المحلية ورموزها وتقاليدها. لكن اليوم، وفي ظل تنحي أو موت أهم القادة الثوريين الكبار في أمريكا اللاتينية، وزيادة ضغوط الولايات المتحدة الأمريكية للحفاظ على مكانتها. تعمل منظومة الإعلام الغربي من أجل تشويه الرموز المناهضة للإمبريالية، إما من خلال مهاجمتها بشكل مباشر والسخرية منها. أو –والأجدى من ذلك- خلق رموز بديلة مشوّهة. وهنا يتبلور سؤال غاية في الأهمية: «أيٌ من هؤلاء الزعماء هو قائد شعبي حقيقي، خرج من بين الناس وسيعمل من أجلهم حقاً؟ ومن هم القادة المزيفون أو «التقليد» الذين يفهمون تركيبة أمريكا اللاتينية وبالتالي يحاولون خلق رموز مشوّهة تحت مسميات «الشعبية» والإشتراكية»؟ ». أو بعبارة أخرى: «من يشير بيده نحو اليسار ويذهب يميناً؟».