جيفارا  قديس الفقراء

جيفارا قديس الفقراء

بعد رحلة طويلة، حط جيفارا رحاله في بوليفيا لأجل الثورة فأرسلت أمريكا فريقاً من قوات الكوماندوز لتعقب جيفارا ومواجهته! وصلت القوات البوليفية لمكانه، فحاصرته ودار قتال، جرح جيفارا ونفدت ذخيرته فاعتقلوه واقتيد إلى مدرسة متهالكة في قرية لاهيجيرا في ٨ تشرين الأول ١٩٦٧، وفي صباح اليوم التالي أمر الرئيس البوليفي «رينيه باريينتوس» بقتله.

و كانت الأوامر بعد توجيه النيران إلى القلب أو الرأس حتى تطول فترة احتضاره، لكنه واجه قاتله قائلاً: «صوب أيها الجبان، فكل ما ستفعله هو أن تقتل رجلاً».
 ولد أرنستو جيفارا دِلاسيرنا، المعروف باسم تشي جيفارا، في روزاريو في الأرجنيتن في ١٤ حزيران ١٩٢٨ وأصيب في طفولته بالربو الذي لازمه طوال حياته، وبسبب لم يلتحق بالخدمة العسكرية. ودرس الطب في جامعة بيونس ايرس، ثم سافر إلى جميع أنحاء أميركا اللاتينية ،و قد كونت هذه الرحلة شخصية جيفارا، فقد شعر بالظلم الواقع على الفلاحين الهنود، بعد أن توثقت علاقته بأكثر الناس فقراً وحرماناً، كما تبين بنفسه استغلال العمال في مناجم النحاس في تشيلي، وأدت هذه الرحلة إلى الاستنتاج الذي وصل إليه جيفارا وهو أن التفاوتات الاقتصادية متجذرة في المنطقة، وأن سببها الأساسي هو الرأسمالية والإمبريالية والاستعمار الجديد.
أحبَّ لعبة الشطرنج واشترك في مبارازات احترافية. وكان مولعًا بالشِعر أما مواده المفضلة في المدرسة فكانت الرياضيات والهندسة.
وحين كان في المكسيك التقى براؤول وأصدقائه في المنفى، وكانوا يعدون للثورة وينتظرون خروج فيدل كاسترو من سجنه في كوبا، وما إن خرج كاسترو حتى قرر جيفارا الانضمام للثورة الكوبية فانضم لهم في حركة ٢٦ تموز التي أطاحت بالنظام الديكتاتوري لباتيستا المدعوم أمريكياً، وسرعان ما برز جيفارا وتمت ترقيته، وأسندت له الكثير من المواقع القيادية بعد نجاح الثورة.
غادر كوبا في ١٩٦٥، بعد أن استقال من مناصبه وسافر في جولة لثلاثة أشهر بين آسيا وأفريقيا وزار مصر، والتقى عبدالناصر الذي كرمه ثم اختفى في العام نفسه ، وكان مكان وجوده لغزاً كبيراً، سافر بعدها إلى أفريقيا، ليقدم خبرته الثورية للثوار في الكونغو.
أما في بوليفيا، فقد كان مشروع جيفارا يهدف لرص الصفوف لمجابهة النزعة الاميركية المستغلة لثورات دول القارة، وجابه في سبيل ذلك في عام 1967  مع مقاتيله العشرين وحدات الجيش المزودة بالسلاح بقيادة السي اي ايه، إلى أن ألقي القبض عليه في أحد وديان بوليفيا الضيقة، بعد مطاردة طويلة، حيث هاجمت قوات الجيش البوليفي المكونة من 1500 شخص مجموعة جيفارا المكونة من 16 شخص، و استمر جيفارا في القتال بعد موت أفراد مجموعته رغم إصابته.
كان جيفارا «رجل عائلة» وأنجب أطفالاً رغم أن نضالاته الثورية لا توحي بذلك. ويظل أرنستو بطلًا في قلوب الكثيرين في العالم أما في كوبا، فيقسم الأطفال في المدارس كل صباح بأنهم سيصبحون مثل تشي جيفارا. وفي وطنه الأصلي، الأرجنتين، خلدت ذكراه بعدة متاحف وفي عام 2008 كشف النقاب عن تمثال برونزي يبلغ طوله اثني عشر قدماً في روزاريو، مسقط رأسه. بعض الفلاحين البوليفيون يعتبرونه قديسًا ويصلون إليه من أجل المساعدة. وهذا ليس رأي الكنيسة ولكنه رأي الجماهير التي تعشقه.
سافر تشي جيفارا إلى الولايات المتحدة الأمريكية مرة واحدة وألقى خطبة على الأمم المتحدة في نيويورك. كان ذلك في عام 1964. وأدان فيها الأمم المتحدة فيما يخص سياساتها حول الفصل العنصري. وفيما يلي عبارات من خطابه المذكور:
«أولئك الذين يقتلون الأطفال ويمارسون التفرقة العنصرية ضدهم يومياً بسبب لون بشرتهم، أولئك الذين يسمحون لقتلة السود أن يبقوا طلقاء ويحمونهم بل ويعاقبون السود لأنهم يطالبون بحقوقهم المشروعة كرجال أحرار، كيف يمكن لأولئك الذين يرتكبون كل هذا أن يعتبروا أنفسهم حماة الحرية؟».