بيلا جاو.. « التحية الحلوة»
ثمة من يواصل خداعنا باستمرار، ثمة من يريد إقناعنا بشدة أن الأغاني لنا جميعاً، وأن لا فرق بيننا هنا، حيث نتساوى كلنا في الأغاني.. فهل هذا صحيح يا ترى؟
كلا أيها السادة، فلا مساواة لنا معهم حتى في الأغاني والموسيقا، ومن يقول غير ذلك يكون في خدمة جوقة الخداع تلك، من حيث يدري أو لا يدري.
في هذا العالم هناك أغنيتان، أغنية لنا، وأغنية لهم.. لنا التروبادور الفقير، ولهم امبراطوريات المال الموسيقي.. هذا هو الصحيح هو الواقع.
التروبادور موسيقا الفقراء
تبدو صور الغناء الشعبي أبدية ويومية في حياة الشبيبة الأوروبية، ففي إيطاليا مثلاً وفي روما تحديداً، يشاهد مساء كل يوم الكثير من المغنين والعازفين في الساحات والميادين العامة والمطاعم المكشوفة وكأنهم على موعد مع الشغف.
أغنيات وموسيقا بسيطة ومباشرة، راحلة ومتنقلة، تشق مقطوعاتها الموسيقية طريقها وسط زحمة الإمبراطوريات الموسيقية، ولا تقتصر على ما يشاهد في وسائل الإعلام، إذ صارت الأغنية تتحدث عن مشكلات يعيشها الفرد في العالم كله، كظاهرة الإرهاب والتطرف وأزمة السكن وازدحام الشوارع والتكنولوجيا وارتفاع الأسعار والبطالة والتلوث وخيانة الأحزاب وقتل الحياة في كل مكان.
يعتمد التروبادور الإيطالي في أغانيه على الألحان الشعبية القيمة المتميزة بأصالتها، وهي تُؤدى في الغالب باللهجات العامية التي يوجد منها في إيطاليا أكثر من 23 لهجة رئيسية، تختلف الواحدة عن الأخرى اختلافاً كبيراً، ويلحظ المتابع لهذا النمط من الأغاني الشعبية الفولكلورية نوعاً من الثبات، يظهر في الوجدان الشعبي والذي رغم تفاوته من نمط الى آخر ومن مدينة الى أخرى إلا أنه يعكس وبوضوح كبير الذاكرة الشعبية وغناها.
يؤدي هذا النمط من الأغاني والموسيقا الفولكلورية عادة الفقراء والمعدمون، وكذلك العاطلون عن العمل وطلبة المعاهد والمدارس الموسيقية، ينتشرون في الأزقة والمطاعم والبارات والساحات لطلب الرزق وإيجاد ما يسد رمقهم من خلال اجتذاب جموع المتفرجين والمستمعين في بدايات المساء وحتى الساعات المتأخرة من الليل.
أغنية المقاومة الإيطالية
لا تخلو الأغاني هنا من التعبير المباشر عن معاناة الناس وأسباب قهرهم الاجتماعي، وهم عادة يصوغون أشعارهم التي تتسم بوجود القافية والعناية بها والتــي أخذ بعضها عن العرب. فالشعر الشعبي الإيطالي المبكر ونظيره الإسباني يتفقان في الأوزان.
كما يتقن الكثير من هؤلاء المغنين أغاني الصمود والمقاومة الوطنية الإيطالية التي شاعت أيام الفترة الفاشية وتعتبر من أشهر الأغاني الإيطالية وما زالت إلى يومنا هذا تُغنى، حيث يختم بها هؤلاء وصلاتهم الغنائية، ومنها على سبيل المثال أغنيـة بيلا جاو «التحية الحلوة». الأغنية التي ترجمت إلى كثير من اللغات، والتي يُظهر اليمينيون والفاشيون الجدد والسياسيون الإيطاليون امتعاضهم لدى سماعها في الشوارع والساحات.
تقول الأغنية التي بقيت لازمتها بيلا تشاو في جميع اللغات المترجمة اليها ما يلي:
«هذا الصباح حالما استيقظت.. وعندما نهضت/ وجدت الغازي/ فيا أيها المقاوم خذني معك/ تحية حلوة / لأني أشعر بالموت/ فإذا مت كنصير مقاوم/ تحية حلوة/ عليك ان تدفنني... ادفني في أعلى الجبل/ بتحية حلوة... تحت ظل الورد الجميل/ وإذا مر الناس/ سيقولون يا للورد الجميل.. الورد المقاوم/ تحية حلوة/ الورد الأجمل هو المقاوم/ مات من أجل الحرية».
الشباب يريد الحياة
تردد أغنية مشهورة أخرى في كل إيطاليا، كتبها ولحنها وعزفها مجهولون ومجهولات، تعلن الأغنية احتجاجاً على تهشيم الحياة، وتتوق إلى العالم الجديد.
تقول كلماتها:
«سأتقدم من جديد/ لأعلن لحظة احتجاجي/ ضد غزاة العالم الجدد..» هذه هي أغانينا تأتي في مواجهة أغانيهم، التي تنتجها اليوم إمبراطوريتهم الإعلامية الضخمة، تريد أن تقتل فينا الحياة..