CNN تشعل ذكرى الحرب الباردة
تبدو السي أن أن هذه الأيام منشغلة بالاستعداد للذكرى الـ 25 لسقوط جدار برلين. فبالرغم من ازدحام الملفات التي تؤرقها، وجدت السي أن أن الوقت والهمّة الكافية للاحتفال بالمناسبة، وتسخين ذكرى الحرب الباردة. ولتحقيق ذلك عملت القناة على أكثر من صعيد إعلامي ودعائي وسياسي ونفسي، منطلقة من السؤال العريض: «كيف رسمت الحرب الباردة ملامح حياتنا اليوم؟ ».
في البداية بدأت القناة إعادة عرض سلسلة أفلام وثائقية تاريخية مؤلفة من 24 جزءاً حول الحرب الباردة، كانت قد بثتها للمرة الأولى عام 1998. وتعريفاً بالسلسلة تكتب القناة أن «الصراع بين الرأسمالية والشيوعية عرّف الجزء الثاني من القرن العشرين. الحرب الباردة حرّضت الشرق على الغرب، ودفعت بالعالم نحو حافة حربٍ نووية» لتقدم بعد ذلك إيجازاً للحلقات الـ12 الأولى من السلسلة التي تبدأ منذ عام 1917، تاريخ الثورة الروسية. يمكن للمشاهد أن يقرأ في السلسلة عناوين من قبيل: الستار الحديدي، خطة مارشال، برلين، كوريا، كوبا، فيتنام.
إلى جانب السلسلة، يفتتح الموقع الإلكتروني للقناة معرضاً للصور الفوتوغرافية التي توثّق التقنيات السرية لقوى الأمن الداخلي في جمهورية «ألمانيا الديمقراطية» (ستاسي). إلى جانب أرشيف ضخم من الصور التاريخية لأهم اللحظات الحاسمة والشخصيات المحورية في تلك الحقبة. وبالرغم من خطورة هذه الأدوات وتحيّزها الصارخ للرواية الأمريكية حول الحرب الباردة والعداء المباشر لشخصية ستالين، تبقى جميعها مختبئة تحت ستار السرد التاريخي. الذي ملّه الجمهورالأمريكي. عبّر عن هذا الملل بعض المدونين الذين انتقدوا إعادة عرض السلسلة اليوم. ولذلك، لم تكتف القناة بالشق الدعائي والإعلامي، بل ذهبت أبعد من ذلك، كي تتوجه إلى جمهورها وتسأله بصورة مباشرة أن يكتب كيف أثرت الحرب الباردة بحياته ورسمت ملامحها بعد 25 عاماً على نهايتها. وبذلك تتحول الحرب الباردة من حقبة تاريخية عامة إلى « مسألة شخصية».
تشارك إحدى الكاتبات الروسيات ذكرياتها فتكتب: «لقد تم الاحتفاظ بنا داخل سجن الاتحاد السوفيتي. كان حرس الحدود يضيّقون على الداخل لمنع مواطني بلادهم من مغادرة «جنة العمال»، بدلاً من الاهتمام بالخارج لمنع غير المرغوب بهم من الدخول. لكن من كان ليرغب بالدخول إلى الاتحاد السوفيتي على أية حال!» ترى الكاتبة بأنه تم إخبار الشعبين المتحاربين قصصاً مخيفة وأكاذيب باردة عن بعضهم البعض. بعد ذلك تكمل سرد قصتها لتقول أنها استطاعت القيام برحلات والتعرف على أصدقاء جدد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وفتح الحدود: «لقد تحدثنا كثيراً عن الحياة الطرفين في ظل الحرب الباردة. تبين أنه في الوقت الذي تم تدريبي على قتل أصدقائي المستقبليين، كان أصدقائي الجدد يعتقدون بأننا روسٌ مخيفون، قد يأكلون حتى أطفالهم، والشيوعيون الأشرار. لكنني لم أكن يوماً شيوعية، ولا أحد من أفراد أسرتي».
هذا ويسرد مدوّن أمريكي آخر كيف كان يتسمّر أمام شاشة التفاز الأبيض والأسود لمتابعة الأخبار المرعبة عن فيتنام. يضيف أن والده «الجندي الأمريكي في فيتنام» كان يحاول أن يتأكد من أن يعي ابنه «الخطر الشيوعي» القادم من الاتحاد السوفيتي، وأن ذلك الخطر هو السبب الحقيقي الذي اضطرهم القتال في فيتنام. يذكر أيضاً أن أباه شرح له أن فيتنام الشمالية كانت بمثابة ولاية خفيّة للاتحاد السوفيتي. «إن سمحنا للسوفيت السيطرة على دول صغيرة حول العالم، ستستيقظ الولايات المتحدة ذات يوم دون أصدقاء، أو مكان تهرب إليه». وبالرغم من أن سي أن أن أصرّت أن هذه الآراء تعبّر عن أصحابها، لكن لا يخفى على أي متابع درجة التحيّز في الآراء التي تم عرضها على لسان «الروسية التائبة»، و«ابن المحارب في فيتنام». بما يشي أن هذا الجزء من تغطية السي أن أن لذكرى الحرب الباردة قد يكون الأكثر خطراً، حيث يتم إيصال الرسائل المطلوبة على ألسنة أشخاص عاديين في إطار تبادل التجارب والذكريات والمشاعر.
أن تجدد السي أن أن، رغم انشغالها، وقتاً كي تذّكر بالحرب الباردة اليوم يعني حاجتها إعادة شحن الرأي العام الأمريكي بما يعتبر في وعيّه انتصاراً للديمقراطية والرأسمالية على الظلام والانغلاق والشيوعية، استعداداً لحروبٍ جديدة قادمة. لكن إن انتصرت أمريكا حقاً، وانتهت الحرب الباردة، وسقط الجدار، مما تخاف أمريكا اليوم إذاً؟!