الطوفان.. استحضار لروح الواقع
تعد المسارح العمالية ظاهرة عالمية رائدة، ويعد المسرح العمالي أحد روافد الحركة المسرحية السورية، بتوجهاته المختلفة نسبياً عن أنواع المسارح الأخرى الموجودة تاريخياً في سورية، كونه يعكس بشكل أو بآخر تطور وعي الطبقة العاملة وقدرتها على عكس هذا الوعي بشكل فني عميق يوصل رسالتها إلى أعماق السوريين، ولهذا المسرح تاريخ حافل تمثل في تبني مواهب مسرحية عديدة عبر تاريخ المسرح السوري. وضمن هذا الإطار وللمرة الأولى في هذا الموسم المسرحي يأتي عرض طوفان في محاولة لتثبيت هذه الظاهرة، رغم أن عدم استمرارية المسرح العمالي يخلق إشكاليات وأزمات تعكسها محاولات البداية كل مرة من جديد، إلا أن الروح العالية للقائمين على العمل غطت على العديد من الصعوبات التي واجهتهم.
قامت المسرحية باستحضار روح التراث الموسيقي السوري القديم من نمط الموسيقا الدينية الأقرب إلى الصوفية الشعبية في نوع من ملامسة روح الناس، وقدمت لنا شخوصاً مسرحية في قرية تحوي أحداثاً نموذجية من قرى الريف السوري، بإيجابيات تلك الشخوص وسلبياتها، حاول فريق العمل تسليط الضوء على عدد من المشاكل التي تحاصر مجتمعنا وتمنعه من النهوض، لكن معظم الشخصيات حتى الإيجابية منها لم تكن فعالة، وعانت من عجز شديد، يبدو العمل في كثير من مفاصله كاستشفاف لما مهد للحرب الدائرة الآن وخاصة فيما يتعلق بالفساد.
وفي حديث لقاسيون مع مؤلف العمل الأستاذ جوان جان
الفرقة فرقة هواة كما هو واضح هل استحق ذلك تعباً إضافياً منكم؟
الحقيقة أن العمل أنجز في فترة زمنية جيدة، وصحيح أن الفرقة فرقة هواة عمال لكن معظمهم لهم تجارب سابقة.
هل كتب النص خصيصاً لهذه الفترة؟
لا، النص كتب منذ العام 2000، وإذا رأى البعض أن له علاقة بما يجري الآن فهذا جيد جداً، وموضوع الخلافات التي تنشأ بيننا وتمنعنا من التصدي لأي خطر خارجي، فهذا غير مرتبط بحدث أو زمن معين، وهذا واقعنا منذ ألف سنة، وكما رأيت في النهاية فنحن نتوقع أن يمتد لألف سنة قادمة، وما زلنا بنفس الوضع نستجدي الرحمة والنجاة من القوى الخارجية.
المسرح عادة يحاول أن يقدم حلولاً وأنت قدمت رؤيا، لماذا لم تحاول تقديم حل للناس لتشعرهم بمخرج؟
تركت للناس أن يروا ويقدروا، من المنطقي أن يتوصلوا إلى أن الحل ليس فيما شاهدوه بل الحل شيء آخر، الحل أن نعمل أن يكون لدينا القدرة على الفعل، لأنه طالما أننا عاجزون عن الفعل وننتظر المخلص الذي هو أمريكا أو الله ومرتبطون بهذا الأمل فستبقى الأمور على ما هي دوامة نسير بها، ولا نخرج منها.
شخصية المنقذ لديك كانت المثقف الذي لا يقبل الرشوة؟
هو ليس المنقذ بل هو العنصر الذي لم يستطع أن يفعل شيئاً، صحيح أنه كان يحاول أن يفعل شيئاً لكنه لم يستطع لأن الكل من حوله عاجز.
ألم تشعر أن هناك نوعاً من التشاؤم بزيادة نسبة الشخصيات السلبية في المسرحية؟
حالياً في الفن والأدب مهما كنت متشائماً فالواقع أكثر تشاؤماً، لقد قدمنا أربع شخصيات إيجابية، أستاذ المدرسة والمديرة وخليل المستخدم وزينة، لكن في النهاية نسبتهم في المجتمع أقل بكثير أي الناس الإيجابيين أو من لهم قدرة على المجابهة.
لاحظنا في المسرحية أن طريقة الخطاب هي أقرب إلى الشعبية بمعنى أنها سهلة الفهم على أكبر شريحة من المتلقين المستهدفين هل كان ذلك مقصوداً؟
طالما أن أحداث العمل تدور في قرية فمن الطبيعي أن تكون لغته سهلة، وحاولت أن تكون لكل شخصية لغة خاصة بها، أو منطق تفكير خاص بها، أو مفردات خاصة.
وفي لقاء لقاسيون مع مخرج العمل الأستاذ سهيل عقلة:
كما لاحظنا فإن ظروف إعداد المسرحية كانت صعبة فهي دافع وهي معيق بالوقت نفسه فما هو قولك؟
هي معيق بالتأكيد، الدافع الأساسي الذي جعلنا نقوم بهذا العمل كفرقة اتحاد عمال دمشق، هو أن نقول أننا موجودون حتى في الأزمة، ولنا أعمال تواكب كل حدث، ونحن كعمال تعرضنا للكثير من الضغوط، فكلنا نعيش الأزمة ومعظم الموجودين يمكن أن تكتب مسرحية عن ظروفهم وحياتهم، فمن الموجودين من اتصلوا به وقالوا له يجب أن تخلي بيتك، شخص آخر كان في غرفة العمليات وخرج بعدها مباشرة للبروفة، وشخص ثالث لم يكن معه ثمن طعام للمنزل ومع ذلك يأتي للبروفة، هذا عدا عن سقوط قذائف هاون قرب مكان البروفات ووصل الشظايا إلينا إلى الفسحة السماوية للبيت العربي الذي نتدرب فيه.
هناك إسقاطات على الواقع رغم أن النص مكتوب منذ فترة طويلة نسبياً، هل هو استشفاف للواقع؟
لقد قرأت النص منذ عشر سنوات، لكن قراءتي له اختلفت بعد الأحداث، فبعد إسقاط الشخصيات على الواقع المعاش ظهرت أهميتها، وتعمقت وأصبحت محاور كشخصية الشيخ التي كانت هامشية، وأصبحت أساسية لتوضيح كيفية اللعب على وتر الدين الذي لعب دوراً في الأزمة.
لماذا كانت نسبة الشخصيات السلبية في المسرحية أكثر مما هو موجود في المجتمع؟
ذلك للإضاءة على مواطن الفساد المتمثلة برجل القانون ورؤوس الأموال ورجل الدين الذي (لا يمثل الدين حقيقة).
الشخصيات الإيجابية لم تكن فاعلة بل كانت منفعلة، لماذا؟
هذا يعكس الواقع لأن الشخصيات الإيجابية قامت بالكلام فقط وليس بالفعل وهو ما حدث في الواقع.
هل يعتبر ذلك نوعاً من التحريض الإيجابي بطريقة غير مباشرة؟
إذا وصلت الفكرة كذلك فهذا ممتاز، إذ أن هناك العديد من الشرفاء من سياسيين وغيرهم، الذين تكلموا لكن لم يؤخذ بكلامهم.
أشكر جريدة قاسيون لمتابعة الحدث، ونقلها بجرأة.
نتمنى أن يتعزز عمل المسرح العمالي لأنه ينقل روح الناس.
بطاقة تعريف
تأليف: جوان جان
إخراج: سهيل عقلة
بطولة: فهد السكري -إيميل حنا -سمير اللوجي -ياسر بردان -ديالا العلي -أنس طبرة -أنور نصار -مؤيد الأحمد -لين حديد -غسان مارديني -بلال طيان.
مساعد مخرج وإدارة منصة: أنس طبرة
تصميم ديكور: سامي حريب
تصميم إضاءة: بسام حميدي
تصميم إعلاني: زهير العربي
تنفيذ إضاءة: عماد حنوش
تنفيذ صوت: راكان عضيمي
مختارات الموسيقا: فهد السكري وياسر بردان
على مسرح الحمراء ابتداء من 28 أيلول ولمدة خمسة أيام
بالتعاون بين مديرية المسارح والموسيقا وفرقة المسرح العمالي وأمانة الثقافة والإعلام في اتحاد عمال دمشق