بالزاوية: «غابة ذئاب».. ولكن!
كتيرا ما تتداول فكرة أن السياسة عبارة عن لعبة مصالح، لا مكان للأخلاق والقيم فيها ويتم تعميم هذه الفكرة على مجمل النشاط السياسي وكل القوى السياسية، ليصل البعض الى فكرة مفادها أن السياسة عبارة عن كذبة يطلقها «الكبار» أو «الخاصة» ويصدقها ليرددها «الصغار» أو «العامة»..
ما لاشك فيه أن كل نشاط سياسي، لابل كل نشاط إنساني، هو تعبير عن مصالح محددة، فلايوجد في نشاط البشر موقف خارج إطار هذه المصالح، بغض النظر إذا كان الإنسان يعي مصالحه الحقيقية أم لا، وبغض النظر إذا كان يستطيع التعبير عنها أو لا..
ولكن ثمة فرق بين مصلحة وأخرى، بين موقف يعبر عن حقوق أغلبية البشر، وموقف يعبر عن حقوق الأقلية، بين مصلحة فردية أنانية تتسم باللاأخلاقية حقاً، تجعل من المجتمع البشري أقرب إلى ثقافة الغابة، حيث البقاء للأقوى، ومصلحة عامة تتكامل مع الطبيعة الإنسانية ونزوع الإنسان الطبيعي إلى العمل الجماعي وتبادل الحاجات مع الآخرين..
منذ أن انقسم المجتمع البشري طبقياً، منذ أن بدأ استغلال الإنسان للإنسان كان الصراع على أساس المصالح الطبقية محتوى كل صراع آخر، وكانت هي الخلفية الحقيقية لكل صراع، بغض النظر عن الشكل التي يتمظهر به، وهذا ما يسري أيضاً على الصراع العالمي الدائر حيث هناك من يريد أن يتحكم بالثروة لصالح أقلية من البشر، ومن أجل ذلك يعسكر العالم ويشعل الحروب، والنزاعات على أساس ديني أو قومي أو مذهبي أو عرقي، ليؤكد حقاً- في مقابل تلك الأغلبية المتضررة والواقفة في المقلب الآخر من المصالح، وبالتالي المنظومة القيمية والأخلاقية- أن لا مكان للأخلاق والقيم في حالته «الأقلوية» ولكن المتنفذة، ولا مكان لما هو إنساني في عالم الرأسمال الذي يهيمن اليوم على السلطة والثروة والإعلام، ويفرض نمطه في التفكير، وأنماط سلوكه الوحشية، إن السياسة في هذا الجانب وعند هذه النخبة هي فعلاً فن الخداع والتضليل، وأداة التلاعب بالوعي الجماهيري، بحيث تقولب الوعي البشري بما يبرر سلوكها، وما تقوم به من أعمال قذرة أصالة أو بتوكيل جهة ما تحت أحد المسميّات، فيصبح الظلم شيئاً عادياً، والقتل أمرأً عادياً، والذبح مشهداً مألوفاً، حتى يبدو وكأننا في غابة ذئاب وليس في مجتمع بشري.