تحولات السينما الأرمنية
دخلت السينما إلى أرمينيا أول مرة عام 1899م عن طريق بعض الهواة المصورين ويمكن تقسيمها خلال من عمرها إلى أربع مدارس سينمائية رئيسية، مدرسة الأعمال الأولى والمدرسة التوثيقية والمدرسة السوفييتية والمدرسة الجديدة. تتميز كل منها بكونها تياراً سينمائياً مختلفاً عن الآخر من حيث منهج العمل السينمائي من الناحية الجمالية والسياسية.
ظهرت مدرسة الأعمال الأولى بعد قيام المصور س. ديغميلوف بتصوير دفن البطرك ماتيوس عام 1899 وهو أول فيلم سينمائي في أرمينيا وفي عام 1911. أنشأ الأخوان توروسيان صالة سينما في كارين، وأسسا لعرض مجموعة كبيرة من الأفلام ما يعدّ إنجازاً تاريخياً في ذلك الزمن، ويعتبر هراتشيا نيرسيسيان «أبو السينما الأرمنية» من الناحية الأكاديمية والفنية الذي أخرج سلسلة أفلام تعتبر اليوم من التراث السينمائي في النصف الأول من القرن العشرين.
المدرسة التوثيقية
يبدأ التوثيق باسم هنريك ماليان صاحب فيلم «الناهابيت»، الذي صور تشرد مئات الألوف تجاه أرمينيا الشرقية لإعلان حياة جديدة بأسلوب شاعري، كان له أثر سينمائي كبير في مرحلة مبكرة.
وكذلك أفلام «آلام الأرمن» و«آرارات» لآتوم ايغويان وأعماله الأخرى التي اعتمدت على رؤية قصص الحزن والفجيعة والألم والنفي ونسج قصص معقدة لأشخاص نزحوا ديارهم وتصوير جذور الشتات الأرمني في مشاهد تبتعد عن المباشرة وتسليط الأنوار على الظلال الرمادية في العلاقات الإنسانية.
تعتمد المدرسة على جمع الحكايات من ألسنة الأقرباء الذين عاشوا سنوات المذابح، وصناعة أفلام سينمائية من هذه المواد المنسوجة بعناية، من خلال توثيق معاناة شخص أو عائلة ما. وتركز على القصص الفريدة والغريبة، والتأثير البصري على المشاهد، فكان منها عشرات الأعمال التي لا تختلف عن بعضها إلا باختلاف القصص والحكايات التي صنع الفيلم على أساسها.
المدرسة السوفييتية
العصر الذهبي للسينما الأرمنية، الممتد بين عامي 1968 -1993، شهدت أرمينيا فيه قفزات نوعية في ميادين كثيرة ومنها الثقافي، وخاصة السينما التي تطورت كماً ونوعاً.
أصبح فيلم «لون الرمان» للمخرج سيرغي باراغانوف 1968 من روائع السينما العالمية. اعتمد مخرجه على الابتكارات والارتجالات الإبداعية والاستعارات الأسطورية. يقول باراغانوف عن أعماله السينمائية: «في الفن يجب أن تصنع الدهشة دائماً».
يحكي الفيلم عن الشاعر الأرمني الغنائي أروتيون سايات نوفا الذي عاش في القرن الثامن عشر، واشتهر كملك للأغنية الأرمنية وأحد أشهر الشعراء الغنائيين «التروبادور».
يبدأ الفيلم بمشهد ثلاث قطرات من شراب الرمان البنفسجي على قطعة قماش أبيض، تتسع البقع على القماش لتكون خارطة أرمينيا التاريخية، ثم تزول ويوضع بجانبها سكين وثلاث سمكات تختنق اثنتان منها وتبقى واحدة على قيد الحياة. وفي مناخ عاصف يولد الرسول «المنقذ» ورسالته هي الحياة. أما عن اختيار باراغانوف لون الرمان فلأن شجرة الرمان تمثل الحياة في الأسطورة الأرمنية.
صور باراغانوف فيلم «أسطورة قلعة سورام» معتمداً على مخزون كبير من الأساطير الشعبية الجورجية والأرمنية. وقد توفي عام 1990 وحضر جنازته كبار المخرجين العالميين مثل فلليني وبيرتولوتشي ومورافيا وبيرغمان، وأكد هؤلاء أن السينما الأرمنية فقدت أحد سحرتها العظماء ولكن أعماله باقية.
حملت أفلام المخرج سركيس باراغانيان تراث ثلاثة شعوب، ولخص فكرته قائلاً: «الناس لهم وطن واحد، أما أنا فلي ثلاثة، فقد ولدت في جورجيا وعملت في أوكرانيا، وأما الآن فأنا اجهز نفسي لكي أموت في أرمينيا».
واستحق غورغين جانبيكيان لقب فنان الشعب في الإتحاد السوفييتي عن فيلميه «الصفاة» و«مهير مكرتيشيان». بينما مزج غيفورغيان الكوميديا مع دراما سينمائية عن أناس بسطاء في فيلم «قلبي في الجبال».
وقد صدر كتاب يوثق للسينما الأرمنية في الحقبة السوفييتية قبل سنوات من تأليف روبرت ماتوسيان الذي عمل في الصحافة السينمائية في موسكو ويريفان وأخرج العديد من الأفلام.
تمتاز أفلام هذه المرحلة بجمالية المشاهد والتنوع الغني في المواضيع المصورة والرحلات البصرية والاعتماد على الصور الفوتوغرافية، ويعتبر باراغانوف معلمها الأول.
المدرسة الحديثة
بدأت مع مطلع الألفية الثالثة. وتميزت بانقسام الأعمال السينمائية الأرمنية إلى أعمال منتجة في فرنسا وكندا، وأخرى منتجة في أرمينيا.
قدمت السينما الأرمنية في فرنسا وكندا صورة نمطية تناولت فيها المجازر الأرمنية وروجت لنمط الحياة الأوروبية الأمريكية مقلدة النمط الهوليوودي العنيف والإباحي.
بينما مزجت الأعمال المنتجة في أرمينيا بين أزمان مختلفة وخلقت طقوساً وداعية جماعية، على أنغام آلة دودوك الموسيقية الفولكلورية، لحضارة شعب أرمينيا الذي يتعرض للابتلاع في براثن اقتصاد السوق ولعنة الدولار الأمريكي. وأهمها «سارقو التفاح» «حكايتي» «على درب التبانة موسكو 2001» لروبرت ماتوسيان.
فالأرمن يغادرون جبلهم الأشمّ عائلات وأطفالاً بحثاً عن خبزهم ولقمة عيشهم، ولا أحد يعرف ما هو المقابل الذي ستقدمه الحياة لهم في القرن الواحد والعشرين.
يقول ماتوسيان المحترف: «أي قوة تلك التي يملكها الدولار حتى سيطر على العالم برمته؟ نحن هدمنا عالمنا بأيدينا، وقلنا للآخرين تعالوا احكمونا وسيطروا علينا، فأتوا وفعلوا ذلك من دون أن يخسروا طلقةً واحدة». وربما هذا ما حدث فعلاً.