عندليب فلسطين
«أنا لا أحبك يا موتْ / لكني لا أخافك / وأعلم أني تضيق عليَّ ضفافك / وأعلم أن سريري جسمي/ وروحي لحافك / أنا لا أحبك يا موتْ / لكني لا أخافك»، بهذه الكلمات خاطب سميح القاسم الموت قبل أن يودع الحياة يوم الثلاثاء 19/8/2014 عن عمر ناهز 75 عاماً بفترة قصيرة.
سميح القاسم الذي رثى صديق عمره محمود درويش بقصيدة «خذني معك» في آب 2008، وكان قد استهلها قائلاً: «تَخلَّيتَ عن وِزرِ حُزني/ ووزرِ حياتي/ وحَمَّلتَني وزرَ مَوتِكَ، أنتَ تركْتَ الحصانَ وَحيداً.. لماذا؟/ وآثَرْتَ صَهوةَ مَوتِكَ أُفقاً،/ وآثَرتَ حُزني مَلاذا/ أجبني. أجبني.. لماذا؟». امتطى صهوة الحصان ورحل في إثر رفيقه.
حياة حافلة بالتحدي
ولد سميح القاسم عام 1939 في قرية الرامة في الجليل الفلسطيني التي بدأ يخط كلماته الأولى في مدارسها ، ثم تابع دراسته في الناصرة. وسافر بعدها إلى الاتحاد السوفياتي حيث درس سنة واحدة الفلسفة والاقتصاد واللغة الروسية. سجن مرات عدة، ووضع في الإقامة الجبرية أكثر من مرة بسبب مواقفه المناهضة للصهيونية. كان أول شاب يتمرد على قانون التجنيد الإلزامي، كما أسس حركة شبابية في أواخر الخمسينيات لمناهضة سياسات الاحتلال إزاء العرب.
كان عضواً في «حركة الأرض» قبل انتمائه إلى «الحزب الشيوعي»، وتعرض للمضايقة والسجن جراء انتمائه السياسي.. وطُرد من عمله عدة مرات بسبب نشاطه الشعري والسياسي، وواجهَ أكثر من تهديد بالقتل.
«شطري البرتقالة»
امتزج الشعر عنده مع السياسة منذ بداية كتاباته، فكانت قصائده التي وسمها النقاد باسم شعر المقاومة، وأضافوا اسمه إلى جانب أسماء كثر منهم محمود درويش وتوفيق زياد وآخرين ممن سطروا الأدب الفلسطيني ووثقت كتاباتهم المبدعة وأرخت يوميات مقاومة شعب فلسطين المكافح في سبيل استقلاله وكرامته.
كتب في مقدمة ديوان الحماسة «هناك سوناتا سيئة ومارش جيد»، معبراً عن وجهة نظره في دفاعه عن المباشرة التي اتهم بها بينما لا تعني عنده بالضرورة السقوط في «العادية»، ولكنه يدافع عن السهل الممتنع الذي يجيده معتمداً على لغة الموسيقا المفهومة والمعبرة في الوقت ذاته، ويستشهد في إحدى مقابلاته بشعراء عالميين كبار ، كـ«أراغون وناظم حكمت»، اللذين يرى أنهما اعتمدا المباشرة في أشعارهما، دون أن تفقد تلك الأشعار «الدهشة الشعرية».
تنوعت أعمال القاسم بين الشعر والنثر والمسرحية والرواية، وصدر له أكثر من ستين كتاباً في الشعر والقصة والمسرح والترجمة، كما اشتهر بمراسلاته مع الشاعر محمود درويش الذي ترك البلاد في السبعينيات، وعرفت بـ«كتابات شطري البرتقالة» التي وصفت بأنها «كانت حالة أدبية نادرة وخاصة بين شاعرين كبيرين قلما نجدها في التاريخ». وصدرت أعماله في سبعة مجلدات، كما ترجم عدد كبير من قصائده إلى الإنجليزية والفرنسية ولغات العالم.
شاعر الشمس يمضي..
أدار القاسم المؤسسة الشعبية للفنون في حيفا ثم أسهم في تحرير صحيفة الغد والاتحاد ليعمل بعدها رئيسا لتحرير جريدة «هذا العالم» عام 1966 ثم أصبح أميناً عاماً لتحرير الجديد ثم رئيساً لتحريرها.
ترأس اتحاد الكتاب العرب في فلسطين والاتحاد العام للكتاب العرب الفلسطينيين منذ تأسيسهما وعمل رئيس تحرير للفصلية الثقافية «إضاءات».
حصل سميح القاسم على العديد من الجوائز والدروع وشهادات التقدير وعضوية الشرف في عدة مؤسسات منها جائزة «غار الشعر» من إسبانيا وجائزتين من فرنسا عن مختاراته التي ترجمها إلى الفرنسية الشاعر والكاتب المغربي عبد اللطيف اللعبي. وحصل على جائزة البابطين وحصل مرتين على وسام القدس للثقافة، وحصل على جائزة نجيب محفوظ من مصر وجائزة السلام من واحة السلام وجائزة الشعر الفلسطينية. وكان آخر تكريم له، حصوله عام 2006 من القاهرة على جائزة نجيب محفوظ التي يمنحها الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب.
«قيثارة فلسطين، متنبي فلسطين، هوميروس الصحراء، شاعر الشمس» وغيرها الكثير من الألقاب التي أطلقت على سميح القاسم والتي ارتبط أكثرها باسم فلسطين، امتطى صهوة جواد الرحيل ومضى منتصب القامة، مرفوع الهامة.