شمس الصين تشرق بأيدي أهلها
نشرت رواية الكاتبة الصينية المهاجرة إلى كندا «تنغ هسنغ يي» وهي سيرة ذاتية لحياتها، بطبعتها الإنكليزية الأولى عام 2000A Leaf in the Bitter Wind . وترجمت إلى العربية تحت عنوان «ورقة في الرياح القارسة» ضمن سلسلة إبداعات عالمية الكويتية العدد 343 آب سنة 2003.
رواية طويلة يدفعك سردها الأنيق المحكم السبك لمتابعة القراءة فتشرق شمس الصين في عينيك. يفصح هذا العمل الروائي عن مقدرة مذهلة ودأب لا ينضب لامرأة بذلت كل ما في وسعها كي تحمي نفسها وأهلها من الرياح العاتية التي عصفت بالصين أيام الثورة الثقافية وما تلاها من آثار بعد وفاة ماو تسي تونغ عام 1976 في بكين.
«أكسب من نمل»
جاء في الحكايات أن الشاعر الصيني الأعظم «لي باي» كان تلميذاً كسولاً لا يحب الدراسة ويتهرب منها، وحدث مرة أن مر برجل فقير ينحت قضيباً حديدياً شديد الغلظة والخشونة. فسأله عما يصنع فأجاب: أصنع إبرة. فارتاع الشاعر وسأله: كيف تصنع إبرة من قضيب حديد؟ فقال: أنحت كل يوم مقداراً صغيراً منه. وأصبر عليه أيام وليالي حتى يستدق ويصير في قطر الإبرة. فرجع «لي باي» إلى منزله وقد تغير تفكيره كلياً. وانكب على الدراسة حتى صار من أعظم شعراء الصين.
أهل الصين من أصبر الشعوب على العمل والكدح, فهم كالنمل في السعي والكفاح. واليوم يمكن القول، كما يقول المثل العربي «أكسب من نمل»، إن أهل الصين أكسب شعب على وجه الأرض, فهم يكسبون رزقهم بكدحهم وسعيهم وعرق جبينهم. وينتجون كل شيء ويطعمون نفوسهم التي تجاوز تعدادها المليار والثلاثمئة مليون نسمة. ومن المتوقع أن تصبح الصين سيدة هذا العالم بحضارتها المثقفة التي عنيت بالمعرفة الفلسفية والفكر المنظم وأنتجت فلاسفة عظاماً ومدارس فلسفية كبرى, كما أنتجت علوماً وصناعات, والصين أم المخترعات التي قامت عليها النهضة الحديثة.
وأهل الصين يستحقون هذه السيادة وهم قادرون وسيصلون إليها. لأنهم يعيشون تراثهم الحي دون انقطاع. ويستمر ماضي الصين العريق في حاضرها المتجدد في سيرورة دائمة التطور والارتقاء. وإن تحقق هذا الأمل فسيغير وجه العالم من خلال انتشار قيم حضارة مثقفة حكيمة. ربما ستكون بديلاً ناجحاً عن حداثة رعاة البقر وحكم ساستهم الذين ينفردون بفرض سلطتهم على أهل الأرض. وبهذا يتحقق حلم ماو تسي تونغ الذي سجله في إحدى قصائده الجميلة عندما حلق بالطائرة للمرة الأولى فوق الصين. كتب يقول: «عندما يكون مصير الصين بأيدي أهلها, ستشرق الشمس الساطعة من الشرق, تضيء كل وجه الأرض تنظف كل بقايا الحكم الماضي».
ينتمي الصينيون إلى العرق المنغولي, وهو أحد الأعراق الثلاثة الكبرى للنوع البشري. وقد سموا باسم العرق الأصفر فتوهم الناس أنهم صُفر الوجوه. وحقيقة الأمر أن ارتباطهم بالصفرة يأتي من تقليد البلاط الصيني الذي كان اللون الأصفر غالباً على أزيائه الرسمية. بينما تميل بشرة الصيني للسمرة.
«محمد الكث اللحية»
يتكلم أهل الصين لغة تنتمي إلى عائلة اللغات الصينية التبتية, و تتألف اللغة الصينية من مقاطع قصيرة تدل على المعنى بنفسها أو تتحد مع غيرها لإيجاد معنى جديد. والغالب أن يتحد مقطعان والأقل من ثلاثة. وهي تركيبة خاصة لا تقبل التصريف بتاتاً. إذن كيف يكتب الصينيون الأسماء الأجنبية؟
لو أرادنا مثلاً كتابة اسم كارل ماركس بالصينية ليلفظ كما هو في الأصل لما وجدنا المقاطع التي تصلح لذلك، ولابد بالتالي من تقطيع الاسم وقد اختزلوه فراراً من التطويل إلى «ما - كو- سا» مكتفين باللقب دون الاسم. وقد ذكر العلامة البغدادي هادي العلوي أن بعض الصينيين لما سمعوا بالاسم الذي يبدأ بالمقطع ما ونظروا إلى صورة كارل ماركس تصوروه النبي محمد. وصاروا يسمونه بما يعني محمد الكث اللحية. وهذا لأن «ما» هو أيضاً المقطع الأول من اسم النبي محمد عندهم. وصورة ماركس بوجهه الأسمر المدور ولحيته الضخمة تشبه صورة حكيم عربي.