المونديال: لا مفرّ.. فملامح الأزمة حاضرة!

المونديال: لا مفرّ.. فملامح الأزمة حاضرة!

أيامٌ مرّت على انتهاء مونديال البرازيل. الكثير من السوريين وجدوا في هذا الحدث متنفسّاً يبقيّهم، ولو مؤقّتاً، خارج أجواء الأزمة الخانقة بكل المقاييس. وفي ظل فقدانهم القدرة على الترويح عن أنفسهم بالأشكال التي اعتادوا عليها قبل الأزمة، بات حضور مباراة كرة القدم من أسهل المشاريع الترفيهية، التي تُغري بسهولة التشجيع من وراء التلفاز، وبالكفِّ عن أخذ دور«اللاعب» على جنبات حربنا اليومية، خلال وقت المباراة القصير. 

عاشَ متابعو المونديال السوريون متعة تشجيع مواجهات تجري دون مجازر، دون الرصاص والقذائف، دون إراقة نقطة دمّ واحدة، اللهمّ بعض القطرات التي سالت نادراً أثناء الاحتكاكات العنيفة بين اللاعبين، فلاقت استنكاراً استثنائياً، وغريباً، من مشجعي الفرق المونديالية من السوريين، ليستحضروا الزمان الذي كان فيه مشهد الدماء نافراً..

صراع كروي..

لم تبقَ الصورة الوردية للمونديال- المتنفّس على حالها طيلة المدّة التي عاشها؛ شهد هذا الحدث بدوره تحولات دراماتيكية من وحي الأزمة التي يشهدها العالم، والتي ندفع حصتنا منها على أرضنا. الخسارات المدوية للبلد المضيف، البرازيل، عكست أبعاداً ليست «كروية» فحسب، بل عكست أقصى التناقضات التي يعيشها البشر: الأزمة الاجتماعية. المونديال في هذا البلد، كثير السكان والصاعد اقتصادياً والعريق كروياً، طرح إشكالية أولويات الإنفاق ما بين كرة القدم وبين الخدمات الاجتماعية الملحّة. ما انعكس ارتباكاً غير مسبوقٍ في تاريخ كرة هذا البلد. 

في المقابل، وبالرغم من أن إبداعات بعض الفرق المتواضعة تمكّنت من إقصاء العديد من فرق الدول الأوربية الغنيّة، في بداية المونديال، إلّا أن «الآلات» و«المكنات» و«الطواحين» الأوربية، (على حد وصف المعلّقين) تمكّنت من الفوز في نهاية المطاف. فازت عملياً ومعنوياً؛ فالعمل المنظّم الخالي من الارتجال، الذي يشبه المكنة فعلاً، تفوّق على الفرديات والإبداعات الجمالية، التي تميزت بها فرق الدول الفقيرة تاريخياً (اللاتينية على وجه الخصوص). 

حلّت الحسابات والدراسات الدقيقة وعمل الأجهزة الفنية والإدارية محل بطولات المبدعين والمواهب الذين اُجتذب منهم الكثير من الأزقة الشعبية في تاريخ كرة القدم. انعكس هذا الأمر على المشجّعين الباحثين عن المتعة جوراً؛ فالهذيانات المحمومة للمعلّقين الرياضيين باتت تكفي وحدها لنعرف من سيفوز ويتفوّق «تكتيكياً» في كل مباراة.

«المونديال- الأزمة»..

وأخيراً، غاب عن «المونديال- الأزمة» المقاتلون الأشدّاء، الذين أخرجوا الكرة من مسارها المألوف، وحوّلوها من لعبة بسيطة إلى حدث سياسي واجتماعي. من أمثال سقراط البرازيلي، ودييغو مارادونا، الذي مرّغ وجه العنجهية الانكليزية بهدف «اليد الإلهية» في مونديال 1986، بعد صراع إعلامي سبق المباراة اتخذ شكل الصراع بين الشمال الغني والجنوب الفقير. وحلّ محل هؤلاء لاعبو الفرق «فوق الوطنية» في دوري أوربا، الذين يجري بيعهم بعشرات ملايين اليوروات، ويتقاضون مبالغ خيالية.