الوجه الآخر للرياضة
ككل ما في هذه البسيطة من أمور، لها وجه جميل وآخر قبيح، كانت الرياضة أيضاً، وما يخفيه الوجه الأجمل للفرح والسعادة التي تبدو على ظاهر الناس والمتابعين سواء في المدرجات أو في منازلهم، يقابله وجه آخر للتعاسة يخبئ وراءه آلاماً كثيرة تتحملها الشعوب الفقيرة والغنية على حد سواء..
والسعادة البادية للعيان من جراء المنافسات الرياضية التي تلهب الأكف بالتصفيق ماهي إلا عمليات تجميل لأنفس تحمل الكثير من القهر والعذابات، تجد في الرياضة متنفساً للبوح وتفريغ تلك الشحنات الموجودة بداخلها..
تقلب مواجع الفقراء وتثير نهم الأغنياء
وما خسارة البرازيل المذلة منذ أيام بسباعية أمام ألمانيا في مونديال العالم الكروي إلا انعكاس لصورة قاتمة تجري خلف كواليس البطولة التي تستضيفها دولة تعتبر من أقوى 20 دولة اقتصادياً في العالم، لكنها تضم بين جنباتها أكثر من سبعة ملايين برازيلي يعيشون بأقل من دولار واحد في اليوم وأكثر من 22 مليون يعيشون بأقل من دولارين في اليوم، في الوقت الذي صرفت فيه على المونديال 14 مليار دولار فقط..!.
ولو وزعوا المبالغ التي صرفت على المونديال لـ 30 مليون شخص فقير هناك لكان نصيب كل واحد حوالي 500 دولار ربما كانت فرحته بها ستكون أكبر من كل الأهداف التي يسجلها فريقه.
ذلك ملمح من ملامح الوجه الأسود للرياضة التي تستأثر باقتصاد الكثير من الدول التي ترى فيها وسيلة لجني الأرباح الطائلة مثلها مثل بقية المناحي الاقتصادية كالتجارة والصناعة والزراعة والسياحة.
الوجه الأبيض للرياضة..
وحتى لانظلم الرياضة كثيراً على أنها تسعى لسحب بساط الاهتمام والعناية من تحت أرجل الفقراء الباحثين عن لقمة عيشهم وعن مشفى مجاني يعالجهم، وعن مجانية التعليم وغيره من المكتسبات التي يرى فيها عامة الشعب أنها أولى من الصرف على الرياضة ومرافقها وأنشطتها. وهنا لابد من الإنصاف قليلاً على أن للرياضة دوراً كبيراً في نهضة الكثير من الدول وموارها. فقد تشكل رافداً هاماً لخزينة الدولة كما أنها تسهم بشكل فعلي في إنعاش الخزينة العامة عبر الاستثمار فيها، وبناء الملاعب والصالات والاهتمام بالكفاءات الرياضية والكوادر الفنية، إذ أنها باتت تعتبر قطاعاً رائداً مثله مثل باقي القطاعات التنموية التي تساهم في النمو الاقتصادي والاجتماعي لأي بلد.
الاستثمار في الرياضة
ويخطئ من يظن أن الاستثمار في الرياضة غير مجدٍ، فالدول التي تسعى لاستضافة حدث عالمي والشركات التي ترعى الأحداث الرياضية والأندية المتفوقة التي يتملكها الأثرياء وينفقون عليها، من شأنها أن تنعش اقتصاد البلد بشكل كامل من خلال توفير فرص العمل وجني الضرائب وزيادة أعداد السياح بل وتأمين المواصلات والمطارات والاتصالات بسوية عالية لتلك الدول وتسويق المنتجات الوطنية كافة، ناهيك عن كونها دعاية للبلد المستضيف أو الشركة الراعية. فالبرازيل التي تستضيف الآن مونديال العالم كانت تنفق 53% من ميزانية الرياضة على الرواتب، وكان القرار بتخصيص 20% فقط للرواتب، و80% على المشروعات والاستثمارات الرياضية، وإن 70 مليار دولار هي حصيلة استثمارات البطولة من البنية التحتية والمطارات والطرق والملاعب، وأن أهم استثمارات البطولة هي السياحة 3 ملايين سائح، والضرائب 30 مليار دولار، وتكنولوجيا الاتصالات والخدمات، وأن هناك فرص عمل تصل إلى 332 ألف فرصة عمل دائمة، و380 ألفاً مؤقتة، وحتى صناعة المنسوجات في البرازيل انتعشت بسبب المونديال.
إن البرازيل تملك رؤية واضحة لقيمة الرياضة اقتصادياً، وتملك 190 مليون شخص يعشقون ممارستها ومشاهدتها، وتملك شواطئ ومساحات لاستغلالها لانتشار الرياضة، كما تملك مناخاً يساعد على ممارسة الرياضة رغم الفقر الذي يحيق بهم، ولكن تلك الخسارة المذلة للفريق قلبت المواجع على الفقراء الذين كانوا يمنون النفس بالفوز ليسكتوا على مضض، ولكن الخسارة فجرت المواجع وها هي بلاد السامبا ملتهبة بنيران الرياضة.
والمتابع للرياضة يلمس حجم الإنفاق على البطولات العالمية التي تقام في دول الخليج فمثلاً تستضيف الإمارات العربية أكبر البطولات العالمية وأقواها دون أن تصرف الحكومة عليها شيئاً، بل وفرت لها المكان الملائم ومن بعدها جذبت الاستثمارات إليها وحققت عائداً لا يستهان به من المال، وكذلك سباق الفورمولا ون في البحرين والأمثلة كثيرة وتحتاج لمساحات واسعة للتدليل على أهمية الرياضة كعائد اقتصادي متميز.