ميلاد الزّحف
رائد وحش رائد وحش

ميلاد الزّحف

أن يجتاز الشّباب شريط الحدود يعني أنّ اللاّجئين يمسكون زمام عودتهم، يعني أن حق العودة، ككل الحقوق الأخرى، ينتزع انتزاعاً ولا ينتظر مِنّة أحد..

ولعلّه من الضّروريّ الآن التّفكير بما يمثّله الزّحف الجماهيريّ إلى الأرض السّليبة من فعل مقاوم مبتكر، يضع إسرائيل أمام مأزق لم تعهده من قبل من جهة، وتشعر كل إنسان بمساهمته في صناعة حرية وطنه من جهة أخرى..

ها هم اللاجئون يشعلون الدنيا التي أطفأ شموسها ظلاّم العالم من طغاةٍ وغزاةٍ في ذكرى نكبتهم، ها هم يستعيدون دورهم ومكانهم في المشهد.. ها هم يصعدون إلى السّماء (باستعارةٍ عنوان من مكسيم غوركي) ممتلئين بوعي الحق ووحدة المصير، مؤكدين قول غسان كنفاني: «في صفاء رؤيا الجماهير تكون الثورة جزءا لا ينفصم عن الخبز والماء وأكف الكدح ونبض القلب»..

ها هم اللاجئون يصعدون إلى السّماء،

وها هي السّماء تصعد إليهم..

يخبرنا ما حدث، في الجولان والجنوب اللّبنانيّ، أمراً بالغ الأهمية يفضّ الالتباس الجاري في المفاهيم، سياسيّة ووطنيّة، بين تمزّق الفلسطينيين داخلاً وشتاتاً من جهة، وتمزّقهم في مهبّ العشائريّة الحزبيّة.. كلّ ذلك في كفّة بمقابل كفّة الانتفاضات العربيّة التي يراد وأدها لأنّ عنوان إنجازها الأكبر هو فلسطين.. من كل تلك التمزقات الجنونيّة  يقول ما جرى: بينما كانوا، طوال الوقت، يشتغلون بدأب النّمال على تفتيت معنى فلسطين، كانت فلسطين، طوال الوقت، تشتغل على توحيدهم..

منذ 15/ 5/ 2011 تغيّر التاريخ والجغرافيا، تغيّرت طرقُ الحلم وتفسيراته، استعاد الحبّ إشراقته البكر..

منذ 15/ 5/ 2011 لم يعد هناك وقت للبكاء على الأطلال السياسيّة، ولا وقت لندب المصير، ولا لرثاء الأمل.. الوقت كلّه لإعلان الزحف، إعلان الميلاد..