ماركيز في (موته المعلن): الكتابة لتغيير الحياة..!

ماركيز في (موته المعلن): الكتابة لتغيير الحياة..!

رحل «غابو»، الاسم المستعار، الذي أطلقه أصدقاء الأديب غابرييل غارسيا ماركيز عليه، عن 87 عاماً،  تجاوز الكاتب الكولومبي الإسبانيّة لغته الأم، وأميركا اللاتينيّة مسرح أحداث أعماله وعرف على النطاق العالمي.

لم يكن ماركيز، اسماً عادياً في تاريخ الأدب العالمي أخلص للكتابة واشتهر بأسلوبه الذي جمع بين الخيال والواقع في عالم حالم واستطاع تغيير وجه الكتابة الروائية بما يعرف باسم «بالواقعية السحرية». تأثّر بقصص جدّته المليئة بالخرافات والجنيّات، وبالسرديّات الواقعيّة لجدّه الذي طبع مزاجه السياسي، فوقف إلى جانب الثورات وحركات التحرر، وتميّز بعدائه للاستعمار الأميركي، وربطته صداقة متينة بفيديل كاسترو، ولم يكن السحر عنده سوى استعادة لتاريخ العادات والتقاليد، وضعه مجدداً في قالب آخر يبحث عن حقه في الحياة، وعن حقه في كتابة التاريخ الذي لا يسيطر عليه «اليانكي» كما كان يردد دائماً.

انتقل من مكان إلى آخر، حاطاً رحاله هنا وهناك، ليرتاح ويستعيد أنفاسه قليلاً. وقد صرح في أحد أحاديثه الصحافية «لن تجدوني صباحاً في أي مكان». تبدو حياته مليئة بالكتابة، عندما نقرأ غابرييل غارسيا ماركيز نكتشف أن الكلمات هي مكان إقامته الحقيقي.

حاز ماركيز عام 1982 على جائزة نوبل للآداب، عن رواية «مائة عام من العزلة»، التي جعلت اسمه حاضراً دوماً، وهو الذي قال إن «العزلة لم تعد ممكنة» بعد إصابته بالمرض الذي قضى عليه، عرف كيف يوظف لحظاته، لتحقيق لحظات سعيدة للآخرين، فالأدب بالنسبة إليه، مشاركة مع الآخر الذي ينتظر الكلمات. رغم أن الكلمات تكون صعبة أحياناً كثيرة. بدأ كتابة المقالة الصحافية، ثم القصة القصيرة، ومن بعدها الرواية وجرب السيناريو السينمائي. وبقي مخلصاً لمبادئه محرضاً الناس على الصدق: «قل دائماً ما تشعر به، وافعل ما تفكّر فيه». و«على الكتابة أن تغير الحياة».

استمر في محاولة إقناعنا أن الحب يمكن أن يأتي حتى في الزمن الصعب «زمن الكوليرا». وأن الأمل موجود ولا يمكن للحياة أن تبقى أسيرة للوهم، واعتقد أن الاشتراكية ستلف العالم وأن الامبريالية زائلة. وبقيت كلماته تطالعنا، نقرأ من خلال رواياته تاريخ أميركا اللاتينية، من «ليس لدى الجنرال من يكاتبه» إلى «خريف البطريرك» و«الجنرال في متاهته»، و«من مائة عام من العزلة» وصولاً إلى «وقائع موت معلن». نعيد معه اكتشاف التاريخ، ونعيد اكتشاف ذواتنا إيضاً.

أليس الأدب دليلنا على عيش أفضل للحياة؟

رثاه الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس على تويتر قائلاً: «العظماء لا يموتون أبداً».

رحل ماركيز، وانطوت معه سيرة حياة نابضة وكاملة. ولكن أدبه سيبقى حاضراً. ما علينا سوى أن نعيد قراءة ما كتب.