مِن حَرقِ الكُتُبِ إلى الاغتِيال..!
يأتي اغتيال المفكر الإسلامي محمد سعيد رمضان البوطي في إطار عودة محاكم التفتيش الدينية من القرون الوسطى في مطلع القرن الحادي والعشرين لقمع الفكر وقتل المفكرين، والتي تلتقي في أسلوبها مع المحاكم الميدانية لقوى القمع والفساد وتتساويان في الإجرام، وأحياناً تتفوق إحداهما على الأخرى. ولم يشفع لهذا المفكر تاريخه ولامكانته الدينية والعلمية ولا حتى سنّه.
إن حُريّة الاعتقاد والفكر..حقّ تكفله أغلب الشرائع والقوانين والدساتير والقيم الأخلاقية والإنسانية، وكلّ رفض لها أو تعدّ عليها هو جريمة لا يمكن قبولها تحت أيّ مبرر أو ذريعة..!
كما أنّ لكل فعلٍ ردّ فعل، والعنف يؤدي إلى العنف، وهو مرفوضٌ تحت أي شكلٍ أو لونٍ أو مسمّى..وإذا كُنّا قد نتفهمه من بعض البسطاء، فإنّ من يُنَظّرله ويدعمه، أو يمارسه بوعي فهم مجرم بحقّ الشعب والوطن كائناً من كان..!
ويُشكّل اغتيال البوطي نقطة تحول مهمة في ممارسة العنف وخاصةً أنّه تم في المسجد، بيت العبادة ولم يستهدفه وحده وإنما كل من أمّوا وسيؤمون المساجد من المؤمنين البسطاء، وهو يماثل استهداف المساجد بالقصف وقنص المواطنين الأبرياء..
وفعل الاغتيال جريمةً، أياً كان المقصود فيها، ومهما كانت رؤيته الفكرية وولاءاته وسواء كان هناك اختلاف أو اتفاق معه، خاصة إذا استهدف حرية الفكر والاعتقاد والرأي..
ويأتي في الإطار ذاته استهداف رموز الثقافة التاريخية كتحطيم تمثال أبي العلاء المعري في المعرة وتمثال البتاني عالم الرياضيات في الرقة، كما جرى خلع تمثال الشاعر الفراتي في دير الزور..
إن ما تتعرض له الكوادر الفكرية والعلمية والثقافية والفنية نتيجة مواقفها، واستهداف المؤسسات الثقافية والعلمية والتعليمية سواء بالتفجير أو القصف، ووصل إلى منع الطلاب من تقديم امتحاناتهم أو قتلهم وخطفهم واعتقالهم، ليس عفوياً ولم يعُد ردّة فعلٍ، وإنما مخطط لنشر الجهل والفكر التكفيري الظلامي، وإعادة سورية إلى انتماءات ما قبل الدولة الوطنية، الدينية والطائفية والقومية والعشائرية والعائلية.. وهو يتمّ بتخطيطٍ وتشجيعٍ ورعايةٍ من الامبريالية الصهيونية، وتنظيرٍ ودعمٍ مالي وإعلاميٍ من شيوخ البترودولار الذين استطاعوا شراء الكثير من الشخصيات.
إنّ القوى الظلامية وعودة محاكم التفتيش الدينية والتي أنشئت مجدداً والتي تتهم كلّ من يعارضها أو لا يؤيدها بالهرطقة والزندقة بحجة موالاته للنظام، وتقدم الفتاوى لقتله وتصفيته جسدياً ومن يحيط به أو يتواجد معه..هي كما قوى القمع والفساد ومحاكمها الميدانية التي تتهم كلّ من يعارضها ولا يتّفق معها ويطالب بحقوقه الطبيعية في الحياة والعيش بكرامة، بأنّه خائن وعميل وإرهابي وتقوم باعتقاله وقتله أو قصفه وقنصه حتى ولو أدّى ذلك إلى تدمير مدن وبلداتٍ وقرى أو حرقِ البلد ككل..
لقد بات إيقاف العنف المزدوج، والوقوف في وجه مُنَظّرِيهِ وَمُنَفِذِيهِ وتعريتهم، سواء كانوا من القوى الظلامية والتكفيرية الداخلية منها والخارجية، لأن الإسلام دين مسامحة ولا يمرّ عبر واشنطن أو تل أبيب أو غيرها من العواصم التي تدعم العنف والظلاميين والمتشددين، أو من قوى القمع والفساد ضرورةً ومهمة وطنية بامتياز اليوم قبل الغد.