الدراما... والواقع والربيع العربي

الدراما... والواقع والربيع العربي

لامست الدراما العربية عموماً، والسورية خصوصاً، في السنوات الأخيرة واقع الشعوب العربية وبعض معاناتها، من خلال بعض الأعمال الاجتماعية والسياسية كمسلسل «هدوء نسبي» و«بقعة ضوء» و«الخربة» و«ضيعة ضايعة» و«غزلان في غابة الذئاب».. لكن أغلب هذه الأعمال صورت الواقع تقريباً، ولم تتناول الأسباب الاجتماعية الاقتصادية والسياسية، كما أنها لم تطرح حلولاً..

ولاشك أن لذلك أسباباً عديدة يمكن تناولها منها الفكري والفني والمالي والإعلامي، فغياب الرؤية الفكرية التي تؤمن بالتغيير على الأقل.. هذه الرؤية التي تسعى لالتقاط اللحظة التاريخية أو صنعها أو مواكبة حركة التاريخ والمجتمع.. الرؤية النقدية الجدية التي تكشف خبايا الواقع من قمع وفساد في بنية الدولة والمجتمع وهيمنتها لتغييره ولعل ذلك يعطي فرصة للنيل من مفهوم الواقعية الذي من المفترض به أن يعبر عن معاناة الشعوب وحاجاتها المادية والمعنوية ومطالبها فتكلس وانحصر في تصوير الواقع فقط.. أو الجنوح إلى التراث والتاريخ وتحويله إلى سلعة بدل استنطاقه وإسقاطه على الواقع الحالي وربطه به مع استثناءات قليلة كمسلسل التغربية الفلسطينية والزير سالم فالأعمال التراثية كباب الحارة وأمثاله لم تقدم تفسيراً للماضي وعناصر استمرارية بعض جوانبه في الحاضر وآفاق تطورها في المستقبل.. مما جعل المواطن والمشاهد يغرق في الماضي ويضيع في الحاضر المضطرب وتفش عيونه عن المستقبل الذي ينتظره أما الفني فرغم البراعة فيه تمثيلاً وإخراجاً مما كشف عن مواهب دفينة وإمكانات عالية حملت الشهرة لأصحابه والتي دفعت بعضهم للغرور.. والابتعاد عن الواقع نحو البراغماتية كما حصل مع جمال سليمان الذي اتجه إلى تمثيل المسلسلات المصرية التي لا تسمن ولا تغني من جوع... أو نجدت أنزور الذي غرق في الفانتازيا... أي طغى الشكل على المضمون...

ولعل الجانب المالي هو الأهم في الإنتاج والتسويق سواء في اعتماد البهرجة لبعض الأعمال كمسلسل جواهر.. أو الدفع في إنتاج أعمال وفق مزاج الأنظمة والحكام وخاصة في الخليج.. والهروب من الواقع من أجل فسح مجالٍ للتسويق وكل ذلك على حساب المضمون في التفكير والرؤية.. وهذا السبب هو الذي دفع لمنع عرض مسلسل الطريق إلى كابول.

أما كبرى الكبائر فهي السيطرة الإعلامية وأبرزها القنوات الفضائية التي هي الأساس في العرض.. هذه القنوات التي تفرض رؤى وسياسات معينة ذات طابع رجعي وديني وحتى تحريفي... وكما أنها باتت تلعب دوراً حتى في وجود الأنظمة وإسقاطها... ناهيك عن الهيمنة الرقابية لهذه الأنظمة التي تسمح ببعض الأعمال تنفيساً للكبت كمسلسل الخربة كما أن وجود رقابة جاهلة بالعمل الإبداعي تمنع بروز أعمال جيدة لأسباب تافهة.

ويضاف إلى ذلك رقابتان هما الأخطر على الإبداع الدرامي وهما الرقابة الدينية التي تحرم وتكفر وتهدر الدم.. بل وصل الأمر إلى إنتاج أعمال درامية ذات طابع ديني طائفي كمسلسل عن علي بن أبي طالب أو عن عمر بن الخطاب.. والرقابة الثانية هي الرقابة الذاتية الداخلية التي تولدت نتيجة القمع المستمر منذ عقود.. والذي أدى في أغلب الأحيان إلى الجمود وتشوه الوعي. لذا غابت قضايا الشعوب في البلدان العربية بسبب كل ذلك.. فلم نر عملاً يتناول الانتفاضتين الفلسطينيتن... أو معاناة الشعب العراقي والصومالي.. أو الحراك الشعبي الذي سمي الربيع العربي وأعتقد أننا لم نصل بعد إليه.. وإنما بدأت مرحلة المخاض الذي يبشر بمولود أخشى أو يوأد وهو حي.. أو يشوه عمداً كما في مسلسل جماعة ناجي عطا الله.

وللأسف إن بعض المبدعين الذين من المفترض أن يكونوا من حيث ما لديهم من الإمكانات الفكرية معبرين عن الواقع وعن طموحات الشعوب...، ويبررون ذلك بأنه يجب عدم الاستعجال في تناول الحراك الشعبي في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية حتى تتضح الأمور وحتى لا يقع في الخطأ كما يدعون.. والبعض الآخر منهم على العكس وقف ضد هذا الحراك نتيجة ارتباطه بالأنظمة وخوفه وهؤلاء من مثقفي السلطان على عكس المفترض بأن يكون مبشراً للتغيير وهنا نطرح التساؤل التالي: ألا تستحق معاناة الشعوب في فلسطين والعراق والصومال التي مضى عليها من 60 عاماً إلى عشر على الأقل.. ألا تستحق معاناة الشعب الكردي مثلاً وقفة.. أم أن الأمور تعامل على مبدأ يطعمك الحج والناس راجعة.. اي بعد خراب مالطة كما يقال.

وهنا نستدرك الأعمال التي لامست شيئاً من الواقع كانت تضع نهايات مغلقة... أو نهايات سموها تطهيرية بحجة زرع الأمل ولم تترك للمواطن المشاهد نهايات مفتوحة تساعده أوتجعله يبحث عن التغيير أو تقوده إليه.

وأخيراً يأتي توقيت عرض الأعمال حتى الناحج منها حصرياً في رمضان لتصيبنا بالتخمة والنفخة وتغرقنا في الضياع.. ويضاف له التوقيت اليومي قبل الفطور أو بعده بقليل كجرعات أو وصفات طبية تتيح لأنزيمات الهضم تقبل كل شيء حتى ولو كان مغموساً بالسم.

في النهاية يمكننا القول إن الدراما العربية عموماً والسورية منها لم ترتق إلى مستوى الدور المناط بها كرافعة اجتماعية سياسية في تناولها لقضايا الشعوب في البلدان العربية.