مثلثان متساويا الأضلاع..
ما الذي يجعل الأفراد يرون في خطين متقاطعين صليباً؟
ولماذا كان اللون الأحمر دائماً لون الرغبة والاندفاع والعنف؟
ما الذي يجعل من الصليب المعقوف رسماً يثير الرعب والرهبة؟
من المدهش حقاً كيف أن شكلاً بسيطاً مكوناً من عدة خطوط وانحناءات قد يحمل للأفراد دلالات ومعانيٍ عديدة ومختلفة، يختصر تجارب أو تاريخاً كاملاً، يثير مشاعر السعادة والحماس والفرح أو على النقيض من ذلك، الخوف والرعب الشديدين!
لطالما عكس استخدام الرمز مرحلة متقدمة من تطور الوعي الإنساني وقدرته على التجريد والابتكار وتنظيم معارفه واختصارها في شكلٍ أو لون أو صوت.
الثقافة العربية بدورها أفرزت رموزها الخاصة المكتوبة والمرسومة، اللونية منها والصوتية وحتى الرموز المتمثلة بأفراد معينين، وبالمقابل حملت لها بعض الرموز الخارجية والإشارات معانٍي محددة، كالنجمة السداسية مثلاُ. هذا الرسم اعتبر ببساطة رمزاً للصهيونية واختصاراً لجميع الخبرات والمعارف التي كونها العرب طوال سنوات الصراع معها، وما رافق ذلك من خوف ورعب. حمل هذا الرمز البسيط معاني الكراهية والعنف والكذب، وبالرغم من وجوده في النقوش والزخارف في العمارة والآثار الموجودة في منطقتنا قبل ظهور الحركة الصهيونيةً، إلا أنه وبالتأكيد اكتسب بعداً جديداً عندما ارتبط بها، حيث أصبح من المستحيل أن نرى النجمة بمعزل عن تلك الخبرات والدلالات.
كان الإعلام العربي في السابق أكثر وعياً لهذا الموضوع (أو على الأقل هكذا بدا) إلا أن النجمة بدأت تظهر بشكل أكبر على قنواتنا، بداية بصورة سريعة وخاطفة في بعض الأفلام و المسلسلات الأمريكية، ثم بشكل أوضح و أكثر صراحة، حتى وصلنا لمرحلة بدأت فيها النجمة بالظهور في برامج عربية!!
والدليل الصارخ يتمثل في النسخة المعربة من برنامج المواهب الشهير (Arab>s got talent) الذي يبحث عن المواهب الجديدة في مجالات الغناء والرقص وألعاب الخفة وغيرها من المهارات.
فبعيداً عن نقد البرنامج من حيث مضمونه، أو الأهداف الكامنة وراء إنتاجه وعرضه، أو نقد اختيار لجنة تحكيمه وغير ذلك.. يكفي لنا أن ندقق قليلاً في تفاصيل الديكور والإضاءة المستخدمة فيه.
حيث تتوزع في إحدى زوايا المسرح ووراء المتسابقين عدد من النجوم الحمر المستخدمة بغرض الإضاءة، وإذا دقق المرء فيها يجد أن بعضها نجوم سداسية.. المثير للانتباه أيضاً أن الكاميرا الأساسية في البرنامج، والتي تصور أداء المتسابقين من الأمام تظهر وبوضوح تام نجمة سداسية في أقصى زاوية المشهد (الزاوية اليمنى). بحيث تظهر هذه النجمة طوال فترات عرض الحلقة.
فماذا يعني ذلك؟
هناك احتمالان: إما أن إعلامـ(نا) لا يعلم أي شيء عن علم سيميولوجيا الصورة ودلالاتها وأهمية توظيف الرموز بشكل صحيح، وبالتالي يتوقع منا أن نرى في النجمة السداسية مجرد مثلثين متساويي الأضلاع متداخلين مع بعضهما، بعيداً عن كل الخبرات والدلالات التي اكتسبتها عقولنا عن هذا الرمز، وبالتالي نبتعد من التجريد والرمزية مجدداً إلى الحسية، والاكتفاء بالنظر إلى أشكال الرموز دون دلالاتها، أو أن هناك جهات تعمل على تسويق هذا الرمز وتغيير اتجاهات المجتمع العربي نحوه من خلال تعرض الأفراد له بغية اعتياده نتيجة تكراره ومن ثم قبوله ليتغير بعد ذلك الاتجاه نحوه، ويأتي بعدها تغير السلوك كخطوة متقدمة وأكثر تعقيداً (وهذه عملية طويلة الأجل ولكنها مثمرة).
والمثير للسخرية حقاً في هذا السياق هو المقطع الذي كررته محطة MBC بغية الترويج للبرنامج، إذ يستضيف البرنامج طفلاً فلسطينياً صغيراً يقوم بإلقاء قصيدة ليقابله الجمهور بتصفيق وتشجيع شديدين، وتبدأ نجوى كرم (إحدى أعضاء لجنة التحكيم) بالبكاء، بينما يعتذر أحد المحكمين (عمرو أديب) من الطفل باسم الشعب العربي لأننا لمّا نحرر فلسطين بعد!!