التقنية والشعر
قرأت في الأيام السابقة تسمية جديدة للقصيدة ألا وهي «قصيدة الفيسبوك». لم أتفق في حينه مع هذه التسمية لأنها تعميمية وتنم عن نظرة لا تلامس العمق. فلا يعنى أن نرى عالماً من الهواة والركاكة والغثاثة على الفيسبوك لنسخّف أو نحط من الشعر باجتراح تسمية كهذه. ثم إن هناك الكثير ممن يتعامل مع الفيسبوك كوسيلة يعيد عبرها نشر ما نشره منذ سنوات في كتب صدرت له أو قصائد نشرها في يومية ورقية أو شهرية.
لا يمكن لهذه التسمية أن تثبت وتروّج كمصطلح جديد في مسيرة تطور الشعر، فلا يمكن لها أن تضاف إلى فهرس تسميات راسخة وتقف خلفها ترسانة من السجالات النقدية التي شغلت أجيالا سابقة ولاحقة، لا يمكن أن نضع تسمية ترد على سبيل التندر مع تسميات قائمة على مفاهيم وقيم جمالية، مثل: القصيدة التقليديةـ قصيدة التفعيلةـ قصيدة النثرـ قصيدة الغرفةـ القصيدة اليومية، قصيدة الومضة ... إلخ». فهذه التسميات تأسست وحضرت في مناخ يتعلق بتقنيات القصيدة كإنتاج فني وجمالي تغذى من ينابيع تراثية وميثولوجية وتثاقفية لا تمت بصلة سطحية إلى التقنية كوسيلة كتلفزيون وراديو وطائرة تلفون وانترنت ولا حتى المطبعة والجريدة. في محاضرة له بعنوان «التقنية- الحقيقة- الوجود» سأل هايدغر وأجاب: ما معنى التقنية؟ ماذا تعني، إذاً الكلمة «تقني». فقال «هذه الكلمة من كلمة يونانية أخرى هي «تيكنيون» وهي تعني الشيء الذي ينتمي للتقنية. لفهم معنى هذه الكلمة الأخيرة يريد منا هايدغر أن نأخذ بعين الاعتبار نقطتين: الأولى هي أن التقنية لا تعني فعل الصانع وفنه فقط، بل تعني كذلك الفنّ والفنون الجميلة. التقنية جزء من فعل للإنتاج، إنها صناعة أو إنتاج شعري بالمعنى الأسمى للكلمة.