«ثغرات» لإسماعيل ناشف تداول المحظور على وجه الشيوع
ملاحظة عادية: قبيل اغتياله بوقت ضئيل اقترح عليَّ ناجي العلي أن نصدر مجلة أنيميشن. قلت له أنت فنان، ومن أين لي وأنا لست فناناً ولا أملك من عَرض الدنيا مالاً. واليوم يريدني إسماعيل أن أقول في أعماله المركَّبة بين القول المباح والشعر المنثور والنثر المرسل والفلسفة.
هي بين الخطاب وبين الشعر المرسل وبين الحوار المعمّق وبين المناكفة اليومية. مطارحات تبدو وتبدأ كما لو كانت عملا قصصيا لتنتهي إلى محاورات فلسفية في إهاب أدبي تقدم لوحات تتماوج بين اليومي/ العادي وبين اللامعقول في الصورة والفكرة والمفردة.
هو إسماعيل الذي دوماً يصر على قول وكتابة كل ما يفكر به! وفي هذه الحقبة من تطور التخلف بدءاً من السياسي الوطني وصولاً إلى علاقتيهما هو وهي، فهذا الرجل يصارع الجهل أو العقل المحافظ، العقل المعتقل خلف أسوار: الجنس الميت الحي والسياسة الفاعلة المساومة، والإمساك باليومي والجهل بالتاريخ.
ما هو أثر سياط كتابة كل ما يتم التفكير به على العقل الذي يحمل عصا الآداب العامة أو تمفصلات المطاوعة، العقل الذي يشكل عمود خيمة التخلف والتبعية. ما أثر نقل الحرية التي لا تُحد ولا حواف لها، حرية التفكير ، الحرية التي لا يُطالها قمع، لتضع هذه المجاهرة والكشف، لتضع الكاتبَ في عين الصراع مع من يحسبون علينا كل قول.
إنه تحدي قول كل ما لا يُقال من غُرف النوم إلى غرف السياسة التفكير. هل يسع امرئ أن يفعل كل هذا؟ ربما قلة أو أقل. وربما لهذا طُرد من معاقل الفكر الحر في أكاديميا أوسلو-ستان ليجد الملاذ في الكيان:
كفى بك داء أن ترى الموت شافيا… وحسب المنايا أن يكن أمانيا.
ولكن حكمة التاريخ في تدوينها فلسفياً تصمد قائلة: الوجود الفاعل هو الذي يستحق الوجود مكتسباً شرط بقائه من أرضية الإنتاج وحدها هي شرط وجوده، فمقدار حرية التفكير على صلة عميقة بواقع الإنتاج، الذي إذا غاب تمكنت البنيات الهشة من اغتيال التفكير فما بالك بفعل الكتابة والقول. ضمن هذه القاعدة/ المعيار يمكننا تجليس هذا العمل بما هو محاولة مفتوحة في القول الذي يُحرج في الجنس حتى المجربين/ات ويُبسِّط الحوار بل المحاورة لتتناول اليوم العادي في حياة المرء العادي.
ومع أنني أحب أن يقارب الناشف السياسة، الكتابة في السياسة وذلك يقربنا من بعض، إلا إنني لا أتمنى له ذلك كثيراً كي لا يهبط المستوى النقدي الفلسفي الحارق، وكذلك لأنه لا يحمل سيفاً، فأبوه ليس من قريش. فلا هو ثري ولا مخبر للمخابرات «الثورية» ولا مال لديه، ثم ما أقل المستمعين وما أكثر العسس الثقافي!
هذا العمل مقاربات في الأدب والجنس والسياسة واليومي العادي بشفافية وهدوء دونما تخريجات وتَوارٍ وتقيا. هو كما أفضِّل تلك السوائل اللعينة سِك بلا ماء ولا ثلج.
مجموعة كبيرة من القطع تفهم الواحدة على انفراد وفهمها جميعا على أرضية الجزء وعلاقته بالكل.
لولا سوءتي في الإلقاء وتعثري في النحو، بل وفي عديد من الأمور لقرأت عليكم هذا السفر كلِّه رغم شح الزمن في عصر السرعة.
إذا كان لي أن أضيف هنا، فإن إسماعيل يقدم هذه المرة، مقارنة بالسابق مجموعة من اللوحات أغلبها سوريالي ووجودي، وإباحي وأنارخي ولكن مع اختلافين:
·تبسيط بلوحات الحياة اليومية تقدم الإنسان كما هو في حواره الذي لا يُنشر.
·وبعض المقاربات السياسية التي لا يلبث أن يندم على لمسها كما لو كانت تهدده بلسعة الأفعى.