بين قوسين  مأزق لغة الضاد
خليل صويلح خليل صويلح

بين قوسين مأزق لغة الضاد

نفكر بالعامية ونكتب بالفصحى. مأزق تعيشه لغة الضاد منذ قرون، دون أن تجد صيغة مقبولة في إيصال الفكرة بسلام. يخطئ المذيع في نشرة الأخبار. في علاقة العدد بالمعدود، وفي المبتدأ الذي يضيع خبره في متاهة النحو والصرف. الذال تلفظ بالزاي، والثاء بالسين، فيما مجامع اللغة العربية حائرة في تسمية الكمبيوتر، هل هو حاسب على وزن فاعل، أم حاسوب على وزن فاعول.

تنصت إلى شاعر فتهرول وراء الفتحة التي طارت بغتة لمصلحة ضمة ليست في مكانها. وتستمع إلى فلاح في مقابلة ميدانية يحاول أن يستعير فصحى غائمة، لكنه بمجرد أن يدخل في همومه الحقيقية، ينسى البلاغة المستعارة، ويبدأ الندب على واقعه المزري وخسائره المتعاقبة. إذاعة صوت الشباب الرسمية تبدأ صباحها بإنشاء فصيح عن «جمال بلادي»، و«سورية الحبيبة»، لكن ما أن ترتفع شمس الضحى قليلاً، حتى تستعيد عاميتها، مستعيرة مشية الغراب. أما إذاعات الـ«أف أم» فهي مكان حيوي للميوعة اللغوية حتى أن بعضهم يحكي باللبناني. لقد  تمّ تدمير الفصحى في المناهج المدرسية بأساليب لم تستطع استمالة التلميذ إلى نصوص مبهمة، تحتاج إلى معاجم في تفسير معانيها، وجهل بعض مدرسيها باللغة، ودعاوى قومية عابرة للحدود، دون أن تجد من يتبناها بصدق. في هذه الفترة التي تحوّل فيها معظم العرب إلى خطباء، تعيش الفصحى محنة حقيقية، فالأخطاء اللغوية تحتاج إلى سلّة لجمعها. في المقابل فإن الشعارات التي ترسّخت في الذهن ،كانت في العامية (الحالة المصرية نموذجاً). الوجدان الشعبي المصري تربى على شعر العامية في المقام الأول، من صلاح جاهين وفؤاد حداد، إلى الأبنودي وأحمد فؤاد نجم، فيما لن نجد شاعراً عامياً سورياً واحداً من الوزن نفسه. هكذا غابت الأغنية الشعبية السورية منذ عقود بسبب التعتيم على شعر العامية، وحين عادت في السنوات الأخيرة، فإنما أتت محمولة على حناجر مغنيي الملاهي. الأغاني الوطنية التي تتردد هذه الأيام في الإذاعات المحلية، استعارت كلمات وألحان الملاهي بتعديلات تتناسب مع الحالة المستجدة. بصرف النظر عن مشاعرها الوطنية الجيّاشة، فإنني لا أستسيغ أغنية بصوت سارية السواس، فملكة الملاهي ليس مكانها، في كل الأحوال في استديوهات الإذاعات الرسمية!