إعلام اليسار بين الضرورة والحل
مهند عمر مهند عمر

إعلام اليسار بين الضرورة والحل

إن ما تمر به سورية اليوم وإصرار بعض الأطراف على المضي في التخوين والتكفير وإقصاء الآخر ورفضه وصولاً إلى حد التصفية الجسدية، أفرز واقعاً أليماً ومخيبا للآمال على مختلف المستويات بشكل ينم عن تدنٍ كبيرٍ في وعي بعض السوريين؛ يضاف إلى ذلك القمع والإقصاء اللذين تعرضت لهما مختلف التيارات السياسية والفكرية السورية، أدى بطريقة أو بأخرى إلى ترهل واضح في المؤسسات المدنية، وتعاظم سطوة التيارات اليمينية الراديكالية والقوى الرجعية على الإعلام، من الفضاء إلى المواقع الإلكترونية، ويضاف إلى ذلك غياب دور حقيقي للإعلام اليساري العلماني الديمقراطي الذي يخاطب العقل، ويحد من تأثير النزعات الفاشية والشوفينية والدينية التي بدأت أخيراً بالظهور العلني بوجهها القبيح دونما استحياء، وكل ذلك على حساب الحياة المدنية للمواطنين السوريين.

إن عصر التطور التقاني الذي يعيشه العالم، يلزم الإعلام اليساري القائم بمحاولة الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الجماهير، التي تمثل جميع الطبقات والفئات الاجتماعية، وذلك عبر مضامين تقدمية ثقافية هادفة تغرس قيم العدالة والمساواة والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ومع رياح التغيير المتصاعدة والتي يبدو أنها ستضرب المنطقة برمتها يجب أن يتمتع الإعلام اليساري الديمقراطي باستقلالية عن الخطاب الرسمي للأنظمة، وبموضوعية أكثر بحيث لا يتأثر بخطاب الأطراف السياسية المتصارعة في هذه الفترة، وعلى الإعلام اليساري أن يكشف الحقيقة ويدافع عنها لا أن يغيبها، ويعلي القيم الإنسانية لا أن يدافع عن الديكتاتورية، ويبث روح التسامح وينبذ جميع أنواع التعصب المبني على فكر ديني، والعنف غير الثوري.

وفي ظل الظروف التي يمر بها العالم، ومع تهاوي النظام الرأسمالي بعد خروج أكثر من 600 مدينة في العالم للمطالبة بالمساواة والعدالة الاجتماعية، نستطيع القول في هذه الفترة بأن دعم التجارب الإعلامية اليسارية القائمة حالياً أصبح حاجة ماسة ووسيلة للبقاء والاستمرار، كما أنه من الضروري أيضاً أن تتسع مساحة العمل اليساري في المجالات الإعلامية الجديدة – الفضائية والإلكترونية - التي تستغلها القوى اليمينية والرجعية أيما استغلال، كما يجب تفعيل وسائل الإعلام التقليدي اليساري بعد ترهله وغياب أي دور حقيقي له.

إن تعالي صوت الإسلام الراديكالي في سورية، واستمراره في محاولة تقسيم المجتمع إلى مسلمين وذميين وكافرين بطريقة أو بأخرى، يلزم اليسار الديمقراطي في سورية بمجابهة هذا الفكر الظلامي بشكل مباشر عبر إعلام متفتح يقوم على بث الوعي والأفكار التقدمية، العلمانية، سيراً على طريق بناء دولة القانون والمؤسسات التي تكفل الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية الأساسية للإنسان، وتضمن العدالة الاجتماعية والمساواة بين جميع المواطنين السوريين.

ويبدو أن الحل الوحيد للخروج من الواقع الأليم الذي تعيشه سورية في هذه الفترة، يأتي من خلال إعلاء صوت العقل ونبذ العنف والتعصب القائمين على فكر يميني إقصائي بدأ يتصاعد في البلاد بشكل كبير في الفترة الأخيرة.