كاريكاتير عن وطن.. يريدونه كاريكاتيرياً
حملت صفحة مسلسل الكاريكاتير المعنونة بــ«زان الآن» في العدد الأخير في مجلة «فلسطين الشباب» موضوعاً يستحق التوقف لما فيه من معانٍ دامغة.
يدور الحوار التالي بين فتاة وشاب مثقفَيْن:
(الفتاة: هلأ محمود درويش لما بيحكي: «واحد نحن في اثنين/ لا اسم لنا يا غريبة، عند وقوع الغريب على نفسه في الغريب».. شو بيكون قصدو؟؟
يجيبها الشاب: محمود شعرو مبهم..
فتعود وتسأل: طيب لما بيحكي: «أن تقاوم يعني التأكد من صحة القلب والخصيتين، ومن دائك المتأصل: داء الأمل».. مش كتير قصيرة هالقصيدة؟؟
الشاب: محمود شعرو مختصر..
الفتاة: طيب لما بيحكي: «كلماتي كلمات وهي الأولى. أنا الأول. كنا. لم نكن. جاء الشتاء دون أن تقتلني.. دون أن تبكي وتضحك. كلمات كلمات».. هاي على البحر البسيط أو الطويل أو ع أي بحر؟؟
الشاب: هاد اسمو شعر مرسل.. مش على بحر.. بالمناسبة بتعرفي إنو محمود هو اللي كتب بيان إعلان الدولة الفلسطينية اللي حكاه أبو عمار سنة الـ88؟؟
الفتاة: «استناداً إلى الحق الطبيعي والتاريخي والقانوني للشعب العربي الفلسطيني في وطنه فلسطين، وتضحيات أجياله المتعاقبة دفاعاً عن حرية وطنهم واستقلاله وانطلاقاً من قرارات القمم العربية، ومن قوة الشرعية الدولية التي تجسدها قرارات الأمم المتحدة منذ عام 1947، وممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير المصير والاستقلال السياسي والسيادة فوق أرضه.. فإن المجلس الوطني يعلن، باسم الله وباسم الشعب العربي الفلسطيني، قيام دولة فلسطين فوق أرضنا الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف»..
الشاب: بالزبط.. هاد كتبو محمود..
الفتاة: آآآآآآآآآآآه... لهيك دولتنا مختصرة، مبهمة، وما إلها بحر...).
تحت السيناريو يأتي النص التالي الذي تختتم به هذه الصفحة: «عن قصة حقيقية حدثت في زان استديو، وأي تشابه في الشخصيات هو مصادفة بنت كلب لا أكثر».. مع إضافة صغيرة إلى الديباجة المعهودة هي: «لنا دولة أعلنها شاعر.. وفقدناها بحادث سير»..
يمتاز هذا المسلسل الكاريكاتيري بنفس ساخر من حالات شبابية فلسطينية تلامس عصباً حساساً في الواقع الفلسطيني، إلا أن هذه الحلقة تغري أكثر من سواها للوقوف عندها لكونها أقل خصوصية فلسطينية قياساً بحلقات سابقة، وأكثر قرباً لمن هم خارج الجو.
نريد أن نشير في البداية إلى أن فن الكاريكاتير لا يزال متألقاً متوهجاً، لكن قلة الاكتراث به ترتبط بقلة الاكتراث بالصحافة نفسها، نظراً للارتباط العضوي الوثيق بينهما، فحيث يتحدّث كثيرون عن المبدع الراحل ناجي العلي على أنه آخر أهم فناني الكاريكاتير سيبدو الرأي حاملاً الكثير من الإجحاف بحق فنانين من جيله أو من اللاحقين، ذلك أنه يستحيل لفن من الفنون أن يكون مرتبطاً بشخص بعينه، فلا يزال هناك فنانون يحفرون في جلمد صخور الواقع بالأبيض والأسود، وهذا المسلسل الذي نتحدّث عنه، ينتمي إلى وهج من نوع مشابه، لكنه يفارقه ويختلف عنه من حيث الأسلوب..
وعودة إلى المسلسل الذي بين أيدينا، نرى وجهة نظر أخرى تدين المآلات السياسية التي تغلبت على الحلم الفلسطيني، بنقل فلسطين من مستوى الحلم الإنساني إلى مستوى عادي، هو البحث عن دولة على 22 % من أرض فلسطين التاريخية، أو تجميد الاستيطان لفترة محدودة، أو المفاوضات من أجل المفاوضات...
سيظن البعض أن المسلسل سخرية من شاعر في حجم محمود درويش قدم الكثير لفلسطين وقضيتها، إلا إنها في العمق سخرية من مصير الحلم الذي يمثله الشاعر حين تحوّل إلى طريقة من طرق كتابة الشعر، لا هدفاً من أهدافه..
نعم ثمة محاولة لمسخ الحلم الفلسطيني، وتحويله من حلم تحرري إنساني كبير، ناضل من أجله أناس من جنسيات كثيرة، إلى هباء.. وما يزال هناك زمرة من المنتفعين ترى فيه مجرد سلّم للثروة والثراء، والجاه والوجاهة، على حساب شعب وتاريخ ومقدسات، فالمال الكافر والسلطة الكافرة يسعيان لتحويل فلسطين إلى «دولة مختصرة، مبهمة، وما إلها بحر».. ولكن الكلمة الأخيرة للشعب فقط.