بشار القاضي.. فنانٌ شهيد
على عادته خرج من منزله لشراء بعض الحاجيات، يمشي بتثاقل سني عمره الطويلة يتلفت حوله، محيياً ومستنشقاً لنسمات صباح لعل فيها شيئا من الامل أو فرج قريب..
أبى ترك منزله فجمع كتبه في صناديق كرتونية وجعلها جدارا «مانعا» لاختراق الرصاص يجلس خلفها ويقول: «هذه الكتب جمعتها طيلة عمري أحميها وتحميني سأبقى هنا والفرج قريب..»
لم تشفع له سنواته الثمانون من ثني ذلك قناص من المسلحين حسب الرواية عن استهدافه برصاصتين أثناء دخوله حرم البناء الذي يسكنه في مخيم اليرموك بدمشق..
هكذا استشهد الفنان الكاتب والناقد والمخرج المسرحي والممثل بشار القاضي صباح يوم السبت 6/4/2013، بطلق غادر في الرأس بينما كان يحمل قليلاً من الطعام وكتاب لتشيخوف استرده من صديق.. وكثيراً من الحزن على بلده الحبيب.. وكثيراً من الفكر اليساري..
الفنان الفقيد، العضو في الحزب الشيوعي السوري منذ كان عمره 15 عاما، من مواليد مدينة حلب التي التحق بمدارسها وبفرق نوادي الهواة المسرحية فيها، ومن ثم إذاعتها قبل أن ينطلق من «مسرح الشعب» هناك، وعمل في وزارة الثقافة مخرجاً وممثلاً على مسارحها وهو من مؤسسي المسرح القومي ونقابة الفنانين، وكتب في مجلات عديدة، وله عدد من الأعمال في الإخراج والتمثيل، منها «سيرة آل الجلالي، حي المزار، القصاص، الجوارح، إمبراطورية غوار، نهارات الدفلي» وبعض الأعمال السينمائية ومنها فيلم «الفهد».
كان في حياته رجلاً شريفاً ومبدئياً في سلوكه وعلاقاته، ويشهد له من عرفه بأنه كان نظيف الفكر والسيرة. ويذكر المقربون منه، في بعض التفاصيل، أنه كان في آواخر أيامه يقرأ جريدة «قاسيون» بنهم شديد، ويمتلئ بالأمل في خروج سورية من عنق الزجاجة وتجاوز الأزمة، ولكن يد الغدر طالته قبل تحقق أمله، فيما غطى دمه مدخل البناء الذي يسكنه..
عانى بشار القاضي من ظروف الحياة بكبرياء وصمت، ورحل بصمت، ولكن الغريب أن وزارة الثقافة ووسائل الإعلام السورية، باستثناء قناة «سورية دراما» التي أعلنت أنها ستنجز فيلماً وثائقياً عنه بعنوان «حكواتي مسرح الشعب»، نعته بخجل شديد، ونقلت خبر رحيله وكأنه وفاة طبيعية، دون اعتباره شهيداً، كما فعلت مع آخرين قضوا بالطريقة نفسها، مما يثير تساؤلات عن أسباب ازدواجية المعايير التي تجعل من قتل أحد الفنانين استشهاداً وقتل آخر مجرد وفاة، ليصبح الموت الذي يوحد البشر كافة مجالاً للتمييز فيما بينهم..!