سرير يتوسط المجهول
في منتصف المكان ، وإلى الوراء قليلاً توضع السرير الحديدي كما لو أنه العنصر المحوري في المساحة الفارغة.
وعلى الأرض توزعت الفرشات المصنوعة من الإسفنج لتشكل كلها مستطيلاً ضيقاً للجلوس والنوم، بينما فُرشت المساحة المتبقية داخل حدود المستطيل بالبسط الملونة والسجادات القديمة المغبرة.
على السرير، مدت الأم جسدها المتعب، كانت ترضع طفلها يوسف-الذي ولد قبل يومين في المستشفى الوطني- قبل أن يعودوا به وأمه إلى هنا.
جلسنا أنا وأمي على الفراش المقابل للسرير، بعد أن ثنينا أرجلنا أسفل أجسادنا، كما لو أننا نشعر بالحرج، وأردنا أن نأخذ أصغر حيز من المكان بالرغم من أن هناك متسعاً للجميع. كنا محاطين بعدد من النساء اللاتي يتأملننا ويبتسمن لنا. جئننا بصحن من الحلاوة المقطعة مكعبات مع ملعقتين صغيرتين. تناولت قطعة ذاب طعمها في فمي ببطء.
تبادلنا بعض الأحاديث، ووجهنا أسئلة مقتضبة إلى الأم. وهي بدورها أجابت باختصار أكثر، وبنوعٍ من الضيق، بدت متعبةً يائسة وغير مكترثة، تنظر إلى يوسف الصغير الذي كان الرجل الوحيد بيننا.
لم نعرف أين الرجال، إلا أننا فهمنا من سياق الحديث أنهم ربما ذهبوا للعمل في القرية، ليرجعوا في المساء إلى هنا.
كنا نريد الذهاب، إلا أنهن استبقيننا لشرب «القرفة»، أحضرن لنا فنجانين زجاجيين، بعد أن سكبن فيهما الشراب الساخن المحضر من عدد من البهارات والتوابل، وعلى صفحة الفنجان طافت قطعٌ صغيرة من الجوز. هو المشروب التقليدي المقدم عند الولادة، كما هو الحال في مدينتنا.
عندما قُدمت لنا الفناجين ثارت أصوات الفتيات الصغيرات طلباً لشرب القرفة أيضاً، كما لو أنهن فهمن أن تقديم الفناجين لنا يجعل منا ضيفات خاصات لأمهاتهن وجداتهن .
ودعناهن بعد ذلك وخرجنا مع الجدة التي أصرت أن تودعنا عند آخر الطريق بالرغم من أن الحر كان شديداً في الخارج.
لم أستطع أن أمنع نفسي من التفكير _وأنا أجلس على الفراش الممدود بجانب أمي هناك_ بحجم المفارقة المؤلمة التي تحملها هذه الزيارة. فهي تشبه إلى حد التطابق العديد من الزيارت التي قمنا بها سابقاً لأم حديثة الولادة: فهنا أم، ورضيع، وسريرٌ، وعدد من النساء اللاتي يعتنين بالمريضة، ومغلي التوابل مع الجوز.. تماماً كما كل مرة. التفصيل الوحيد المختلف، الاستثنائي: أن السرير يتوسط خيمة، وأن مضيفاتنا لاجئات..