يوسف سامي اليوسف:«أسستني النكبة»
خسارة كبيرة كانت رحيل الناقد يوسف سامي اليوسف عن 75 عاماً، الذي قضى حياته في قراءة الآخرين، كتب مذكراته التي صدرت بعنوان «تلك الأيام»، وروى فيها تجربة الاقتلاع التي عاشها كفلسطيني منذ النكبة التي هجّرته، حيث عاش في سوريا، غادر فلسطين يوم نكبة 48 مما أثر فيه أبعد الأثر وصيره كاتباً «لم يؤسسني أفلاطون ولا أرسطو... ولا الآمدي ولا الجرجانيان... أسستني النكبة»
اشتغل صاحب «مقالات في الشعر الجاهلي» على ربط النصوص والظواهر الأدبية بما تقترحه من مراكمات خصبة على تاريخ الأدب، وانشغل مبكراً بالشعر العربي القديم، وبدا وكأنه يستأنف الحالة الروحية التي نظر بها هؤلاء إلى العملية الأدبية كلها.
كان يتمتع بثقافة عربية انكليزية وافية شاملة للتراث والأدب والعلوم الإنسانية والفلسفة، انتقد بقسوة الرواية العربية الحالية التي رأى أنها تندرج في تيارين لم يحالف أيهما النجاح، الأول هو تيار الواقعية الفجة أو المباشرة الحرفية التي تنقل الواقع كما هو وتنسخه نسخاً، أما التيار الثاني فهو التجريدي «الخاوي من كل محتوى واقعي صريح». وأكد في حديث آخر أن الرواية العربية «ما زالت نتاجاً خديجاً لم ينضج». والمشكلة برأيه أن الروائي العربي يتكلم كعالم اجتماع، وشخصيات الرواية هزيلة. بينما لغة الرواية ركيكة صحافية.
ويعتقد يوسف أن الشعر كمال اللغة، دون أن يتحول إلى لغو لفظي، ولا ينفي فحواه الاجتماعي والروحي الذي يرى أنه في الشعر يصل إلى أكمل ظهور ممكن.
الحق أن سخط يوسف سامي اليوسف لم ينصب على عصره بل نفذ إلى الكتابة نفسها التي اعتبرها في حديث له «عناء سقيماً عقيماً» و«تعباً لا مجدياً».
وقد منح الناقد أحقية البحث عن «الإجماع» وعن «حكم القيمة». وكان متفرداً بنبرته، وقدّر الراحل المنجز الشعري العربي، واستهزأ بالرواية التي لا تزال بعيدة عن منجزها الأوروبي. بطريقة ما، عاش صاحب «بحوث في المعلقات» داخل زمنه، وعلى حواف هذا الزمن أيضاً.
لن ينسى من قرؤوه مبكراً تلك اللغة العميقة والجذابة في الوقت نفسه، وتلك الأطروحات في كتبه التي كانت تبدو من اختراع الخاص، ومنها كتاب «الغزل العذري»، ومحاولته الفذة في إيجاد «تعريفٍ» لـ«الشعر العظيم»، وصياغته لتنظيرات مختلفة حول الصوفية في دراستيه المميزتين عن النفري وابن الفارض، وترجمته اللافتة لـ«مختارت من شعر إليوت»، إلى جانب اشتغاله الموسوعي والمنهجي على مفاهيم ومصطلحات كبرى، وهو ما ظهر في كتبٍه كـ«رعشة المأساة» و«القيمة والمعيار»..