«عمّو تشيخوف» ليس بخير
يقدم إيلي لحود تحية إلى أنطون تشيخوف، لكنه لا يقترح قراءة جديدة ومبتكرة لنص المعلم الروسي الكبير. «كيف حالك عمو تشيخوف» الذي يقدَّم على خشبة «دوار الشمس»، أسيرُ رؤية إخراجية ضعيفة وأداء تمثيلي متكلّف.
«كيف حالك عمو تشيخوف» عنوانٌ يعكس رغبة المخرج في إلقاء التحية على أحد أهم الكتّاب المسرحيين في المسرح الحديث وهو الروسي أنطون تشيخوف (1904ـــ1860). لكن إلقاء التحية من زمن الى زمن آخر يحمل الكثير من المخاطر والتحديات عبر الخيارات الفنية التي يتبناها المخرج لإلقاء الضوء على عمل مسرحي كلاسيكي كُتِب في سياق زمني مختلف عن زمننا. فهل استطاع المخرج إيلي لحود إلقاء تحية نابعة من قراءة جديدة لخصوصية هذا الزمن الذي نعيش فيه، أم أنها تحية عابرة في مهب الريح؟
نسج لحود عرضه المسرحي من نصين مسرحيين لتشيخوف، ويتألف كل واحد منهما من فصل واحد.
الأول هو «طلب زواج»، ويدور حول امرأة عزباء ووالدها يستقبلان رجلاً طالباً الزواج بها ولا يخلو الموقف من الكوميديا، بينما يتناول النص الثاني «اليوبيل» مدير الشركة الذي يستعد للاحتفال باليوبيل، وهو ينتظر الوفد وأعضاء مجلس الإدارة، فيحدث ما لم يكن في الحسبان حين تأتي زوجته من السفر، وتدخل عجوز متطفلة تشكو حال زوجها، وهو ما يزيد الموقف تعقيداً وينتهي بعكس توقعاته.
بدأ العرض الأول بمقطوعة موسيقى شرقية على الأورغ، ثم التخلي عنها حين أضيئت الخشبة من أجل بداية العرض، ولم تعد إلا في نهاية العرض. لم نفهم مغزى المقطوعة وعلاقتها مع روح العرض. بدأ الحدث على الخشبة مع ممثلين أدّوا أدوارهم بتكلّف مستخدمين تقنيات صوتية وحركية مبتذلة بعض الشيء، الأمر الذي جعل المتفرج على مسافة مما يدور على الخشبة من دون القدرة على الغوص والانسجام بسبب غياب عنصر الإقناع. في عرض «اليوبيل»، تطور الأداء وكان أكثر طبيعية، واتسمت حركة الممثلين على الخشبة بالانسيابية الى حد أكبر مما كان عليه في القسم الأول. وقد تمكّنت الممثلة رولا غوش في شخصية العجوز الزائرة، من جذب انتباه الجمهور واللعب معه، إذ برزت حركاتها الجسمانية في خدمة تجسيد الشخصية بشكل كوميدي لافت، كما ساهم نبضها كممثلة في رفع إيقاع العرض، إلا أن من المفيد تطوير طبقات صوتها التي بدت في بعض الأحيان رفيعة جداً.
بالرغم من اعتبار لحود أن العمل هو قراءة جديدة للنص، إلا أننا لم نجد بعداً أضافه المخرج أو قراءة جديدة تقدم لنا عناصر مبتكرة ومفاجئة. لقد تم تقديم النص بحذافيره على خشبة المسرح البيروتي، واللعب كان متواضعاً، والرؤية الإخراجية ضعيفة في إطار سينوغرافيا بدت مجرد ديكور عادي بعناصرها المتقشّفة التي لم توظَّف بشكل فعّال في اللعبة المسرحية. هكذا، صار وجود الستائر والأبواب مسألة شكلية لا تؤثر في مضمون اللعبة. أما الصور الثلاث الكبيرة لتشيخوف التي عُلقت فوق فضاء اللعب، فبدت غريبة، إذ لم تربطها علاقة بالعرض سوى في النهاية حيث يضاء على تلك الصور بالتزامن مع صوت رجل في الوفد. بدت الصور خارج إطار اللعبة، بل عبرت عن رغبة المخرج فقط في إقحام حضور الكاتب المسرحي على العرض وعملية تأليه للكاتب. المخرج لحود كان قد ذكر في كلمته أنّ العرض أيضاً هو تحية للمسرح الحقيقي الذي نفتقده. ولعلنا من هنا نستطيع الانطلاق في نقاش بنّاء حول المسار التي انطلق من هذا الطرح الضبابي. فما هو مفهومه للمسرح «الحقيقي»؟ إذ إننا لو بحثنا عن هذا المصطلح في المعاجم المسرحية، فإننا لن نلقى جواباً لأنه تعبير شخصي الى حد كبير وليس موضوعياً. بل يدفعنا بحثه عن المسرح «الحقيقي» على حد تعبيره الى مجموعة من الأسئلة تدور حول صميم علاقة المخرج بالعرض المسرحي: هل المسرح الحقيقي هو مسرح الكتّاب الكلاسيكيين؟ هل مهمة المخرج هي البحث عن زمن هؤلاء الكتّاب؟ لماذا يرفض بعض المسرحيين ما يقدمه الكتّاب المعاصرون؟ ألا يمتّ هؤلاء بصلات قوية مع الجمهور؟ ويبقى السؤال الأهم والأخير المتعلق برغبة المخرج في تقديم تحية إلى تشيخوف، وهو: الى أي حد استطاع المخرج أن يمد الجسور بين مسرح تشيخوف وخشبة المسرح اللبناني؟
المصدر: الأخبار