أمجد ناصر يكتب «حيث لا تسقط الأمطار للناصر»
عن دار الآداب في بيروت صدرت للشاعر والكاتب الأردني أمجد ناصر رواية بعنوان «حيث لا تسقط الأمطار» وهي العمل الروائي الأول لناصر، الذي أصدر عشر مجموعات شعرية وأربعة كتب في أدب الرحلة، فضلاً عن كتاب في السيرة الشعرية والأدبية.
تتحدث الرواية، التي وضع مقدمتها الكاتب اللبناني المعروف إلياس خوري، وتقع في 263 صفحة من القطع الوسط، عن عودة بطلها إلى بلاده بعد عشرين سنة من المنفى عاش خلالها رحلة تنتفي فيها الفروق، أحياناً، بين الحقيقة والخيال وبين الذاكرة والواقع (على حد تعبير إلياس خوري)، وتشترك في ذلك بالخيط العام للأوديسة سواء من خلال زمن الرحلة أو محاولات العودة الفاشلة أو عبر الندبة التي يظل البطل يتحسسها كأنها هويته السرية.
في عمله الروائي الأول يستنفر أمجد ناصر كل مخزونه اللغوي والتعبيري في كتابة سردية شديدة الإحكام، صانعاً عالماً روائياً مختلفاً سواء من حيث استخدامه للغة والمجاز أو الضمائر التي تتولى عملية السرد، حيث يهيمن ضمير المخاطب على جو الرواية جاعلا منها رواية متفردة على هذا الصعيد. ففيما يسود ضمير الغائب وضمير المتكلم في الرواية العربية، يذهب أمجد ناصر نحو استثمار إمكانيات ضمير المخاطب كإستراتيجية سردية مما يساعد على إضفاء طابع درامي على الشخصيات والأحداث.
يخترع أمجد ناصر مكاناً روائياً يسميه الحامية وهو مثال للمكان العربي، أو المكان في العالم الثالث، الذي يعيش كابوس القمع ومحو الشخصية الفردية وإذابتها في شخصية الزعيم القائد الذي ترى صوره وتماثيله في كل زاوية من ذلك المكان الروائي. والملاحظ أن ناصر اعتمد تغييب الأسماء، بل لا وجود لأسماء أمكنة أو حتى أشخاص في العالم الواقعي باستثناء أسماء شخصيات الرواية، وذلك بغية خلق نموذج قابل، نسبياً، للتعميم.
وترصد رواية حيث لا تسقط الأمطار انهيار اليسار العربي وتكسر أحلام مثقفيه الذين التحق بعضهم بأجهزة النظام العربي في مواجهة الموجة الأصولية الصاعدة التي بدأت، كما تشير الرواية، بتحالف مع النظام العربي في أكثر من بلد وانتهت إلى الانقضاض عليه.
في مقدمته للرواية يقول إلياس خوري: قد يجد القارئ في هذه الرواية حكاية عن النظام العربي، وعن نظام معارضته أيضاً، وهذا صحيح. فالمشرق العربي بأسره، عاش تجارب تحويل الوهم حقائق سياسية واجتماعية صارت راسخة. وأنا أستثني هنا مصر، لأن تاريخها الحديث مختلف، رغم أنها صارت الآن تشبه الحاميات الأخرى، في كل شيء تقريباً. هذه القراءة ليست خاطئة، وقد تكون ضرورية، كجزء من قراءة تحولات الوعي العربي، وفهم المتغيرات الكبرى التي قادت إلى انقلاب المفاهيم، في زمن صعود التيارات الأصولية.
ويضيف إلياس خوري في تقديمه منتقلا إلى مفصل آخر من مفاصل الرواية: يفتح النص السردي أبوابه منذ اللحظة الأولى. رحلة عودة يونس، أو أدهم، إلى وطنه، بعد غربة امتدت عشرين عاماً، تشكّل مفتاح الذاكرة. نحن أمام ذاكرة تعيد تركيب الماضي، لا من أجل استعادته، أو رثائه، بل في وصفه مرآة للذات. يونس يقف أمام هذه المرآة ليجد أمامه شخصاً آخر. ورلى، لا تستعاد في وصفها حباً أبدياً لا يزول، بل تستعاد في وصفها أمّاً للانقسام الذي سيطاول ابن الراوي. يونس الذي تزوج في الجزيرة بعد الرحيل الكبير من مدينة الحصار، سوف يسمّي ابنه بدرا، على اسم الشاعر العراقي الكبير الذي يحب، وحين يعود إلى الحامية، سيكتشف أن رلى أطلقت على ابنها الأول الاسم نفسه، في لحظة تلتبس فيها العلاقات والمعاني، بحيث لا ندري هل يونس هو والد بدر الثاني، وهل انقسام البطل إلى شخصيتين سوف يستمر في ابنين يحملان الاسم نفسه?.
وعن العالم الشعري للرواية يقول خوري: ليس من تقاليد المقدمات كتابة النقد، لكنني وجدت نفسي وأنا أقرأ هذا النص وأعيد قراءته ممتلئاً بالكلام عنه. وهذا ناجم عن سحر ما أحب أن أطلق عليه اسم شعرية الرواية.