الماركسية في عالم متغير (1-2)
يحيلنا عنوان المقال إلى مقولة ماركس وأنجلس الواردة في الصفحة 40 من الجزء الثاني من المؤلفات، والمتضمنة «إنّ الأمر ليس في رؤية البروليتاريا لأهدافها وإنما هو في السؤال من هو البروليتاري الحقيقي، وماذا عليه أن يفعل تاريخيا بالنسبة لواقعه الحياتي؟» وبنفس السياق جاء في الصفحة 207 من كتاب المادية التاريخية إصدار دار الجماهير الشعبية أنّ «المادية التاريخية تدحض المثالية التي تؤكد على دور الأفكار المحدد في تطور المجتمع، كما تدحض المادية المبتذلة التي تنفي دورها الفعّال، والمادية التاريخية تنطلق من أن الأفكار تعجز عن تحديد سير التاريخ، لكنها تعتبرها قوة فعالة من شأنها أن تسرع أو تعرقل عملية التطور الإجتماعي»، وعلى ضوء ذلك يمكننا تناول عدة قضايا تحت عنوان المقالة ومنها:
أولاً: صعود المحافظين الجدد وتفكك
الإتحاد السوفياتي:
حملت التغيرات الجذرية التي حصلت في العقد الأخير من القرن العشرين ملامح
نظام عالمي جديد بدأ بالتشكل، انكشف العالم على إثره لأول مرة أمام قوة أحادية شرسة هي الولايات المتحدة الأمريكية، حصل ذلك جراء تشابك حدثين هما تفكك الإتحاد السوفياتي بشكل متواز مع صعود تيار المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية، دافعاً أمامه عقيدته الاقتصادية «المبشرة» بالعولمة الليبرالية أو مايسمى بالليبرالية الجديدة، مع الإشارة إلى أنّ استعادة روسيا دورها العالمي كقوة عظمى مكافئة للولايات المتحدة الأمريكية لا يمكن أن يأتي من فراغ، بل يحمل دلالات بينة على إرث الدولة القوية المتطورة الذي ورثته عن سلفها الإتحاد السوفياتي. أمّا النظريات التي حاولت أن تجيب عن سبب انهيار الإتحاد السوفياتي فمنها ما كتبه أوليغ بلاتونوف وترجمه موقع قاسيون في 13/9/2009 تحت عنوان «الإتحاد السوفياتي في ملفات المؤامرة العالمية» يوضح فيه دور الماسونية العالمية في زرع خلايا من العملاء في قمة الهرم السياسي في موسكو أبرزهم مهندسو البيروستريكا يتقدمهم غورباتشوف وشيفاردنازة، حصل ذلك بعد تقرير لمنظمة «نادي روما» الماسونية عام 1973 حذرّ من تآكل مأساوي لثروات العالم ممّا يستدعي ضبطها ووضع اليد عليها من خلال إدارة عالمية يتولاها زعماء ماسونيون، لكنّ العقبة الكأداء في وجه ذلك تتمثل في وجود الإتحاد السوفياتي، وبالفعل تمّ ضخ مايقارب 90 مليار دولار بين عامي 1985 و1992 عن طريق وكالة المخابرات الأمريكية من أجل تفكيك الإتحاد السوفياتي من وراء ستار « دمقرطته»، وكانت الضربة القاضية في كل ذلك هي القرارات الحاسمة والمصيرية التي تمّ اتخاذها في اجتماع مالطا عام 1989 بين غورباتشوف وجورج بوش الأول، يتقاطع هذا مع ماجاء في مقالة علي عبد العال «من هم المحافظون الجدد؟» المنشورة على الشبكة العنكبوتية بتاريخ 10/11/2007 من أنّ هنري كيسنجر قدمّ مذكرة عام 1974 بصفته مستشار الأمن القومي أيام الرئيس نيكسون تضمنت أنّ النمو السكاني خاصة في دول العالم الثالث سيؤدي إلى استهلاك الثروات ممّا يشكل تهديداً لمصالح أمريكا والعالم المتحضر، كذلك يسجّل خروج عدد من المفكرين اليهود واليمينيين من الحزب الديمقراطي في عهد الرئيس جيمي كارتر وتحولهم إلى الحزب الجمهوري أيام الرئيس رونالد ريغان ممّا سمّوا حينها «ديمقراطيو ريغان» الذين دعوا إلى مذهب الليبرالية الجديدة في الاقتصاد، والذي يستند إلى فرض الأمركة على نظام العولمة وتدويل واسع للإنتاج والخدمات والمال والاتصالات والقيم والأفكار ممّا يجبر الدول على تخفيض مستوى الحماية الإجتماعية لمواطنيها كي تصبح جاذبة أكثر للاستثمارات الخارجية. أمّا على المستوى الفكري وتجلياته السياسية، فتمّ صياغة نظرية الفوضى الخلاّقة التي تتلخص بتحويل مناطق واسعة من العالم إلى مناطق غير مأهولة، وذلك بشن الحروب من أجل الوصول إلى نظام جديد في المناطق الغنية بالثروات، وهذا ماتمّ تنفيذه فعلا في العراق وأفغانستان في عهد الرئيس جورج بوش الثاني.
ثانياً: الديمقراطية الغربية:
1- حملت وكالات الأنباء العالمية صباح يوم الثلاثاء 8/6/2010 خبر إجبار المراسلة الأقدم في البيت الأبيض هيلين توماس على تقديم استقالتها بعد تصريحات أدلت بها لا تتوافق مع سياسة إسرائيل، وقد علقت صحيفة الوطن السورية على ذلك بأنّ «لحرية التعبير في الولايات المتحدة ثمنا باهظا»، كانت مناسبة تصريحات توماس ماجرى صباح 31/5/2010 حين قتل الجنود الإسرائيليون في المياه الدولية عددا من ناشطي سلام دوليين كانوا ينوون إيصال مساعدات إنسانية إلى سكان غزة المحاصرين، وكالعادة حمت الولايات المتحدة الأمريكية إسرائيل في مجلس الأمن من تحمل مسؤولياتها عن ذلك، وبذلك فشل المراهنون مرة أخرى على حصول تغيير في السياسة الأمريكية مع وصول رئيس جديد إلى البيت الأبيض، يضاف إلى هذا ما يثار من أسئلة عن سبب التعنت الأمريكي والديمقراطيات الغربية في رفض سلطة منتخبة ديمقراطيا في غزة، وفي العودة إلى الوراء قامت الولايات المتحدة بإجهاض تجربتين ديمقراطيتين بانقلابين في كل من إيران ضدّ الرئيس مصدق وفي تشيلي ضدّ الرئيس سلفادور الليندي، وأمام احتكار تداول السلطة بين حزبين أو ثلاثة على الأكثر على مدى عقود من الزمن في الولايات المتحدة وغيرها من الديمقراطيات الغربية مع ثبات في السياسة وهيكلية النظام القائم على إنتاج نفس النخبة السياسية، هل يمكن التساؤل فيما إذا كان هناك حراك ديمقراطي حقيقي أم أنه مجرد ديكتاتورية طبقة حاكمة؟.
2- في فيلمه 11/9 قدمّ المخرج الأمريكي مايكل مور مشهدا معبرا حين وقف بكاميرته أمام الباب الذي سيدخل منه النواب الأمريكيون إلى مقر الكونغرس مستفسراً منهم عن مشروع القانون الذي سيصوتون عليه بعد قليل ليكتشف ويكل سخرية أنّ لا أحد منهم يعرف عن القانون شيئا.. يستحضر هذا قول لينين: «أمعنوا النظر في أي بلد برلماني من أمريكا حتّى سويسرا ومن فرنسا حتّى إنجلترا والنروج وغيرها، تروا أنّ عمل الدولة الحقيقي يجري وراء الكواليس وتنفذه الدواوين والمكاتب وهيئات الأركان. «الدولة والثورة ص49».
ثالثاً- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:
تستمد حقوق الإنسان شرعتها من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 10/12/1948 والمتضمن جملة من الحقوق والحريات الأساسية التي لا يجوز لأي دولة أو جماعة أو فرد خرقها (المادة 30)، ومنها حرية التعبير (المادة 18)، الحق في العمل (مادة 23)، سيادة القانون (المادة 7)، الحق في محاكمة عادلة «استقلال القضاء» (المادة 10)، ومع أنّ المادة 2 من الإعلان قد نصت على إنه لا يجوز التمييز في ممارسة الحقوق والحريات الواردة فيه بحسب الثروة فإنه يبدو أنّ إفتراق الوضع الاقتصادي بين الأفراد والجماعات بسبب هذه «الثروة» لا يحقق فيما بينهم فرصا متساوية للتمتع بتلك الحقوق والحريات، بمعنى آخر هل يمكن «التركيز على قضايا الديمقراطية والعلمانية والمواطنة وحقوق الإنسان، والتشدد في الدفاع عن حقوق المرأة» وهي مجردة عن حاملها الاقتصادي؟!.. حيث أنّ التشدد في الدفاع عن حقوق المرأة أو أي فرد أو جماعة في المجتمع يبقى قاصرا في نتائجه مادامت هذه الحقوق لا تعبرّ عن المصالح الحقيقية لمن هي عائدة لهم، لأنّ هذه الحقوق تتحدد ضيقا واتساعا بحجم المركز القانوني لصاحبها والذي يمتدّ أفقيا
وعاموديا في النظام الذي يتوضع فيه بحسب مجموع عدة قوى وإمكانيات أهمها «اقتصادية» يحوز عليها، هذا ينقلنا إلى مقولة «سيادة القانون» والتي تضعنا أمام مشكلة معرفية وأخلاقية فيما لو تمّ تجاوز الهوية الطبقية للقوانين النافذة أو بالأحرى المصالح التي تسعى إلى تحقيقها أو فرضها، الضرائب تسنّ بقوانين، الحكومات تمرر قراراتها وتصدر أوامرها «تحت سقف القانون» بما في ذلك الأحكام العرفية التي تفرض بموجب «قانون طوارئ» يجيز ذلك، ممّا يطرح السؤال على من يجهر بأعلى صوته باستقلال القضاء فيما إذا كان متصالحا مع نفسه وهو يفعل ذلك في ظلّ قوانين شرّعت بما يتعارض مع مصالحه.