"خطوات-2" في اللاذقية.. مختبر سينمائي
لم يتبنَّ مهرجان "خطوات" في دورته الثانية التي أقيمت بين 8 و14 شباط الجاري، في دار الكتب الوطنية باللاذقية، مفهوم "السينما البديلة"، فأفلامه القصيرة المشاركة في المسابقة الرسمية لهذا العام؛ والتي بلغ عددها خمسة وعشرين فيلماً لكلٍ من سوريا وألمانيا وبولونيا وفلسطين، كانت احتفاءً بسينما الهواة التي قدمت مقترحها الفني كسينما مستقلة وعت شروط العرض السينمائي، مسجلةً حضور جيل الشباب في ميدان الفن السابع.
تجارب جريئة قدمها "خطوات 2" لهذا العام متناولاً في معظم أفلامه القصيرة المأساة السورية بكاميرا ذات حساسية مختلفة، وقدرة لافتة على صوغ الصورة؛ بعيداً عن أي مصادرات لوعي الوثيقة التي يطمح هذا الشريط أو ذاك إلى تسجيلها عن الكارثة الوطنية التي تحياها البلاد منذ قرابة ثلاث سنوات؛ حيث كان لافتاً الشريط الذي قدمه أمين حداد بعنوان "الصندوق الأسود - 7-14 دقيقة" والذي حاز جائزة أفضل فيلم لهذا العام؛ إذ عبّر المخرج "حداد" برؤية بصرية رمزية عن وقوع الإنسان السوري فريسة لميديا متوحشة استوطنت دماغه، محيلةً إياه إلى مستودع من الرعب اليومي، بينما حققت يارا إسماعيل فيلمها " هنا دمشق - 5-50 دقيقة" عن شهداء الكلمة الحرة؛ مسجلةً حياة أقرب إلى عنوان ديوان الشاعرة السورية الراحلة دعد حداد "أنا التي تحمل الزهور إلى قبرها وتبكي من شدة الشِّعر"، لتنتزع إسماعيل جائزة لجنة التحكيم الخاصة، التي تشكلت من الأديب محمود عبد الواحد - رئيساً، ومن عضوية كل من المخرج جود سعيد؛ والناقد نضال قوشحة؛ بينما ذهبت جائزة أفضل إخراج لطارق سالم - عن شريطه "عفواً - 6-43 دقيقة" والذي اختتم قصته السينمائية القصيرة بتفجيرٍ يودي بحياة عاشقين في عيد الحب؛ عبر مشهدية عالية قدمها المخرج الشاب القادم من حلب بحيادٍ أسلوبي تعانقت عبره صورة الورود الحمراء ببرك الدم الوطني!
تجارب أُخرى تنافست في هذه التظاهرة التي استطاعت أن تكرّس السينما كطقس اجتماعي في حياة المدينة الساحلية؛ منتزعةً دعمها من المحافظة ومديرية السياحة باللاذقية؛ إضافةً إلى تنظيم لافت من "مجلس الشباب السوري – نكون" وبعض الفعاليات السياحية الأخرى؛ وبدعم من المؤسسة العامة للسينما؛ إلا ان المهرجان لم يكتفِ بحسب مديره المخرج مجد يونس أحمد بعرض الأفلام وتقديم الجوائز التي وصلت قيمتها إلى "1300 $"، بل سعى إلى إقامة ندوات نقدية وورش تخصصية في كتابة السيناريو والتصوير والإخراج؛ أدارها كل من المخرجين بشار عباس والمهند كلثوم؛ ليكون جمهور "خطوات 2" على موعد في حفل الختام مع ما يشبه فيلم تخرج قدمه أكثر من خمسةٍ وعشرين شاباً وشابة التحقوا بهذه الورش، مؤكدين فيه نقد المؤسسة الرسمية وخشبيتها المعهودة في التعامل مع الأطروحات الفنية الجديدة؛ ليبرز هذا المهرجان كمختبر لإنتاج تيارات سينمائية واعدة، ولتختتم هذه الفعالية الثقافية برنامج عروضها بلقاء مفتوح مع المخرج ريمون بطرس، تضمن عرض فيلمه الوثائقي "الشاهد" عن نهر العاصي ومدينة حماة، الشريط الذي أنتجته المؤسسة العامة للسينما عام 1986 كان بمثابة رؤيا استشرفت تاريخاً طويلاً من المجازر التي شهدتها المدينة منذ ثمانينيات القرن الفائت حتى اليوم، خصوصاً في المشهد الذي أراده بطرس مترافقاً مع أغنية سجلها بصوته يقول فيها: "نزلت عالعاصي لعبي ميي؛ لقيت العاصي من دمك يا خيي".
المصدر: السفير