مجنون عَلْيا
حسني هلال حسني هلال

مجنون عَلْيا

«بعض الأحداث التاريخية تثير فينا أحياناً ، الرغبة في قراءة الحكايات»

أدونيس

على ثقة بعدم جدوى السؤال، سألته:

ما رأيك بهذه المحنة، التي تمرّ بها سورية..

وحتّامَ سيبقى السوريون، في (المنطقة معزولة الاستقرار) يتأرجحون ما بين الحياة ببطاقة «مشروع قتيل» وبين الموت ببطاقة «شهيد مزوَّر»؟

على شكٍّ بجدوى الإجابة، أجابني:

لا عليك، واسمع ما جرى لي صباح اليوم، في طريقي إلى العمل.

ما كدت أقطع من الدرب، من بيتنا إلى الخط العام، مسافة انتشار لغم متوسط. حتى جاءني صوت «مجنون عَلْيا» مشروخاً /حزيناً/ متأوّهاً/ وهو يغني:

«أيام شو هالأيامْ       

أيام ولا بالأحلامْ

على قصف وتفجير نفيقْ

وعلى خطف وإعدام ننامْ

وبيقولو تطهير «جيوبْ»

مقَدَّر من الله ومكتوبْ»!

بعدما فرغ صاحبنا من ترداد أُغنيته المفضلة /المنقحة/ والمزيّدة، بما تقتضيه الضرورة، من كلمات وحركات.

علّق مومئاً بيده، إلى المرأة التي تتقدمني، مسافة رمية قنبلة يدوية:

والله وعرفت تنقّي يا صديقي.. على كلٍّ تستأهلها. عليم الله أن شعرة من تحت إبطها، أشرف من شوارب دزينة من شبيحة ضيعتك!

لكي أحرف رش الحديث عن المرأة، وجّهت سبطانة الكلام صوب صاحبنا، وفتحت عليه نار سؤالك (الذي سألتني قبل قليل). فكان جوابه، الذي اختطفت منه قوله:

(أولاً: النظام ما رح يسقط يا منظوم..

ثانياً: الرئيس باقٍ حتى آخر خرطوشة من ولايته..

ثالثاً: يستلم الحكم بعده رئيس، يسود العدل والرخاء.. عهده القصير.. «وبكرى بتشوفو.. وبتقولو هالأخوث حكى»). ثم أخذ مني إكراميته المعتادة «سيكارة وجريدة» ومضى مكملاً أغنيته، على أنقاض اندهاشي وأوتار حنجرته:

«بلدي الله حاميها..

الأديان نزلت عليها

النبي أوصانا فيها

وشعبي على أمرو مغلوبْ

ومقدّر من الله ومكتوبْ»!

ما لا يختلف عليه مُوَالٍ ومعارض بخصوص مجنون عَلْيا:

أنه يُعَدُّ من القلة القليلة في قريتنا، الذين تعلموا تعليماً عالياً.

أن اسم صاحبنا بالأصل «ممدوح» وقد احتل حبُّ عَلْيا قلبه منذ أيام المراهقة. إلى أن طلب يدها، ورفضه أهلها، لعداوة قديمة ضربت أطنابها  بين عائلتيهما.

لقد ربطت أحكام العشق المبرمة، ما بين ممدوح وعَلْيا. إلى أن قطّعها أهلها، مع ما قطّعوا من أوداج عنق ابنتهم، عشية شيوع خبر حملها من ممدوح. الذي ذهب عقله واسمه مع حبيبته، ومنذ ذلك اليوم وهو يُعرف بـ «مجنون عَليا».

ُيشْهد لـ مجنون عَلْيا بالقوة والشجاعة، والإيمان، قولاً وعملاً بمبدأ «حِبِّ الموت» يكرهه عدّوك»

من نهفات مجنون عَلْيا، التي ما يزال أهل القرية يتندرون بها. إجابته الضابط الفرنسي، الذي طلب إليه ـ إلى مجنون عليا ـ إعدام كلبه ورفيق عمره «زهير» وذلك أثر شكاية من أحدهم تزعم أن «زهير» صار يشكل خطراً على الأمن القومي للقرية. فما كان من صاحبنا عندئذٍ، إلا أن انتفض وقال مهدداً:

تعلمون أن في ضيعتنا 4 زعماء وزهير خامسهم. وتعلمون، أن زهير بك يسهر على أمن وسلامة  الضيعة، في الوقت الذي تعلمون به أيضاً، على ماذا وماذا يسهر زعماؤنا الأكارم. بناء عليه، إمّا أن يبقى الخمسة على قيد الحياة،  فالضيعة تتسع لهم كلّهم .. وإمّا أن يُعدم الخمسة ، فيتولاهم خالقهم !