«إعلام» حالة الطوارئ

«إعلام» حالة الطوارئ

تخلّت وسائل الإعلام المحلية والعربية خلال السنتين الماضيتين عن العديد من أخلاقيات والمبادئ الإعلامية الأساسية، متذرعةً بالحرب والفوضى والحاجة لنقل الأخبار بأسرع وقتٍ ممكن، وكان منع النظام السوري لوسائل الإعلام العربية من الدخول بصورة رسمية إلى البلاد في البداية قد «شرعن» هذه الحالة من الفوضى الإعلامية

وأعطى تلك القنوات مبرراً معلناً لتفسر أسلوب تغطيتها للحدث السوري، ليتضح فيما بعد أن أسلوب التغطية لم يتغير حتى بعد دخول مراسيلها بصورة شرعية أو غير شرعية، وباستخدامها تقنيات الاتصال المتطورة التي مكنتها من البث من داخل البلاد.

يستطيع أي مشاهد لنشرات الأخبار استرجاع حقبة «الشهود العيان» التي ملأت شاشات التلفاز، أو مئات مقاطع الفيديو التي تُبث «قبل أن يتسنى للمحطات التأكد من صحتها»، ويستطيع أيضاً دون عناءٍ كبير تذكّر كم المقالات والمواد الصحفية المكتوبة التي تمتلئ بالشتائم أو المفردات الطائفية وتنطلق من افتراضات على اعتبارها حقائق. يمكن استرجاع بعض التقارير التلفزيونية المصورة على التلفزيون الرسمي السوري والتي لم تجد ضيراً من تصوير أشلاء القتلى وبثها على أنغام الموسيقا! ولقطات شديدة القسوة «إعتذرت القنوات عن فظاعتها» دون أن يمنعها ذلك من بثّها!! وكانت المبررات على تلك «الانتهاكات الإعلامية» جاهزة دائماً: في الحرب كل الأدوات متاحة ومسموحة، أو تلك أساليب «ما بعد حداثية» في الإعلام!!

وللمعلومات مجهولة المصدر على ألسنة الشهود العيان والفيديوهات التي لم يتم التأكد من صحتها، أهميةٌ خاصةٌ هنا. يرجع ذلك إلى بعض الدراسات الإعلامية،  أثبتت أن المشاهد سرعان ما ينسى مصدر المعلومات المقدم في وسائل الإعلام، لكنه يستطيع تذّكر المعلومات والتفاصيل دون أن ينسبها إلى مصدر، وبذلك تستطيع المعلومات المغلوطة أوغير الدقيقة التأثير في المشاهد، وتتحول في ذهنه مع الوقت إلى حقائق، وبالطبع تزداد هذه الظاهرة في حالات الحروب والكوارث والأزمات حينما يكون المواطنون متعطشين لمعرفة الأخبار دون أن يتسنى لهم التدقيق في مضمونها. يمكن أن يساق مئات الأمثلة على ذلك: من التقارير التي انتشرت إبان حرب العراق عن وجود الأسلحة الكيماوية، ليتلاشى الحديث عنها فيما بعد، أو ما يحدث في سورية حالياً من تصريحات و«دراسات» حول استخدام الأسلحة الكيماوية، أو ما نشر مؤخراً في جريدة الحياة حول لجنة تحقيق  إسرائيلية تثبت أن «محمد الدرة حيٌ يرزق!!».

كيف يمكن الحديث عن آلية ضبط لمضامين وسائل الإعلام، وتحديداً في زمن الحرب، وفي الوقت الذي ينشغل فيه الإعلام الرسمي بتأسيس المزيد من القنوات الإعلامية ووضع استراتيجيات إعلامية فضفاضة، والإبقاء على قنواته السابقة على الحال ذاتها؟ حينما لا يمكن التحكم بمضامين وسائل الإعلام الخارجية يصبح خلق بدائل إعلامية تتسم بالموضوعية وعمق التحليل حاجةً ملحةً، وخاصةً إن كان الخطاب الرسمي السوري يرى في كل ما يحصل حرباً إعلاميةً في المقام الأول!!