(ملك الرمال) في دمشق
في دعوات خاصة جرى حضور العرض الأول لفيلم «ملك الرمال» في دار الأوبرا في دمشق، ورغم البرد القارس والتهديدات بالأعمال الإرهابية وقذائف الهاون التي سقطت بالقرب من موقع العرض، إلا أن إصراراً شديداً على حضور العرض كان واضحاً، وفي أجواء احتفالية واضحة تم الافتتاح بحضور نجدت أنزور مخرج الفيلم
وكان أنزور قد أشار إلى أن من كتب السيناريو شاب سعودي اسمه كريم الشمري في أول تجربة له، يعرض للمجازر التي ارتكبت في عهد الملك عبد العزيز، مؤكداً أن «الفيلم جريء ويخيف بعض الناس لأنهم يخفون تاريخهم»، وأضاف مشيراً إلى أن الفيلم من بطولة الإيطالي «فابيو تيستي» والانكليزي «بيل فيلوز»: «يجسد خمسين عاماً من سيرة الملك عبد العزيز آل سعود من منفاه في مدينة الكويت إلى عودته إلى الرياض».
أوضح الفيلم الطبيعة الإرهابية والدموية التي انتزع بها آل سعود الحكم من آل رشيد في بدايات القرن الماضي، ورغم أنه أشار بطريقة أو بأخرى إلى ارتباط آل سعود بالحركة الوهابية إلا أنه لم يشر أبداً إلى الارتباط العضوي بين الطرفين النابع من علاقتهما بالصهيونية ومن كون الطرفين من أصول يهودية، ويعملان ضمن مخطط واحد متناغم مع الصهيونية، رغم أن الفيلم أوضح توقيع عبد العزيز لوثيقة تبرر الاحتلال الصهيوني لفلسطين ودور المخابرات الانكليزية الممثل بجون فيلبي.
في كثير من الأحيان -ربما لتأثر كاتب الفيلم بأصوله الشمرية- يشعر المتلقي أن الخلاف على الحكم كان بين آل سعود وشمر، وهذه مغالطة تاريخية، إذا أن الخلاف فعلياً كان بين عصابات آل سعود وباقي شبه الجزيرة العربية المتمثل في نجد والحجاز والأحساء وغيرها، وظهرت القبائل في شبه الجزيرة بمظهر العاجز المتلقي لقدر القتل، وهذا مخالف لوقائع التاريخ التي تشير إلى مقاومة شديدة لقيها هذا الغزو الهمجي على حياة شبه الجزيرة من الداخل ومن الخارج، حيث قامت حملات عسكرية كبيرة من الشام وفلسطين ومصر لمقاومة الوهابية وتدخل آل سعود في شؤون الحجاج، وفرضهم منطقهم المتخلف والهمجي على حجاج الشام ومصر، لم نر في الفيلم أي إشارة إلى هذه الحركات نهائياً.
ماذا تقول الصورة؟
وفي تحليل الصورة سيميولوجياً، استطاع أنزور إغراق الشاشة بالدماء كعادته ليصل بالمشاهد إلى حالة الغثيان، من قتل بالعشرات وقطع أيد ورؤوس وقتل جمال وخراف - حقيقي- واغتصاب، في تكرار لا يخدم هدف توصيل الفكرة قدر ما يخدم التعويد على منظر الدماء –في طريقة تشبه طريقة محطات MBC السعودية قبيل الحروب الأمريكية عادةً - وكما ظهرت العديد من الرسائل الخفية من خلال وسامة بطل الفيلم، التي تدعو لا وعي المشاهد إلى أن يحب البطل رغم بشاعة أفعاله، والطريقة الرشيقة التي يتحرك بها كفارس محنك، وتمايل شعره الاستعراضي، حتى أنه عندما جلس ليأكل من المنسف تخال أنه جالس على طرف مقهى في الشانزلزيه يتناول البسكويت لشدة رقة ورهافة إمساكه بقطعة اللحم، أما جون فيلبي فشخصية لطبفة جداً –حبوب يشبه بابا نويل- فنراه يستنكر وحشية عبد العزيز في إظهار لرهافة حس المستعمر وإنسانيته.
وقد بدأ الفيلم بمشاهد من أحداث 11 أيلول وتفجيرات لندن ومدريد ومقتل بن لادن، ومن ثم سرد الحكاية التاريخية لتسلم عبد العزيز السلطة وينتهي على أحداث سورية وخبر تشكيل كتائب عبد العزيز آل سعود في الرقة، دونما أي إشارة إلى الإرهاب الوهابي في سورية، وكأنما الإرهاب موجه إلى الغرب فقط، ونحن صانعوه، ولسنا متلقين له.
وقد اعترف المخرج في وقت سابق بأن له علاقة صداقات مع أمراء وشخصيات سعودية وهو سعيد بذلك، ولا يسعى في هذا الفيلم إلى مهاجمة الشعب السعودي بقدر كشف النقاب عن شخصية مثيرة للجدل لم يجرؤ أحد من قبل على تناولها.
ويذكر أن أنزور سبق وأن ساهم في مهرجان الجنادرية السعودي الذي يحظى برعاية الملك عبد الله بن عبد العزيز.
وأشار أنزور في تصريحات سابقة إلى أنه «وجد في سيرة الملك المؤسس كل عناصر الدراما المشوّقة التي يمكن البناء عليها، خاصة مع الغموض الذي يكتنف هذه الشخصية». ولخّص أنزور دوافعه الأساسية لإنتاج الفيلم بـ «البحث عن جذور فكر الإرهاب والتطرف الذي يضرب بعض دول العالم العربي» وأشار إلى أن «الفكر الوهابي السلفي»، بأنه «منشأ التطرّف والتعصب»