خطاب إلى الأمة الأمريكية
إثر معاهدة عام 1885 بين حكومة الولايات المتحدة الأمريكية والهنود الحمر، وجه زعيم الهنود الحمر «سياتل» خطاباً تاريخياً للأمة الأمريكية، ضمنه اختلاف وجهة النظر بين البيض الأمريكان والهنود الحمر فيما يتعلق بتصور كلّ منهما للطبيعة ومحيطها البيئي. واحتفظ بنسخة منه في مكتبة الكونغرس الأمريكي، وقد بادر الأمريكان بتكريم هذا الزعيم، بإطلاق اسمه على إحدى المدن (سياتل). وقام الدكتور عبد الله حمادي بترجمة هذا الخطاب إلى العربية ونشره في مجلة النهج شتاء عام 2002. ومما جاء في خطاب زعيم الهنود الحمر «سياتل»:
وجَّه إلينا القائد الكبير المقيم في واشنطن خطاباً عبَّر فيه عن رغبته بشراء أرضنا. وبعث إلينا بعبارات الصداقة وحسن النّيّة، رغم أنه لا يرى حاجة لصداقتنا..! وتوجب علينا دراسة مقترحه، مع معرفتنا أن عدم قبوله يعني مجيء الرجل الأبيض بسلاحه للاستحواذ على أرضنا.
سيادة القائد الكبير يمكنكم شراء وبيع السماء وحرارة الأرض؟ مثل هذا التصور يبدو غريباً عنّا، وليس بوسعنا امتلاك برودة النسيم ولألأة المياه. فكيف يمكنكم شراء ذلك منّا؟ مع ذلك سنتدبر الأمر في حينه. أما بالنسبة لشعبي فكل حفنة تراب من هذه الأرض مقدسة، كل لقمة خبز، وضفة، وحشرة مهما كانت تافهة، مقدسة في ذاكرة وتجارب شعبي.
إننا موقنون أن الرّجل الأبيض لا يفقه منطقنا هذا. فقطعة الأرض بالنسبة إليه تشبه أيّ قطعة أرض. وهذا لأنه غريب عنها، عندما وصلها ليلاً واستحوذ عليها، وعلى كلّ ما توقّع أنه مهمّ فيها، فالأرض ليست في منزلة الأم بالنسبة له بل كانت كعدوّ ساعة اغتصابه لها، ولذلك يواصل المسير غير عابئ بقبور أجداده، متجاهلاً حق أولاده فيما تحمله الأرض من ذكريات بالنسبة لهم. إنّ منظر مدائنكم ليكدّر أبصار رجالنا.
لا يوجد مكان آمن في مدن الرجل الأبيض، ولا مكان نتمتع بسماع وشوشة أشجار الربيع أو حفيف أجنحة الحشرات فماذا يعني الجمال إن لم يكن بمقدورنا سماع طائر الليل ولا حوارات الضفادع في البرك؟
سيادة القائد: إذا قررت قبول عرضك، لتوجّب عليّ وضع شرط على الرجل الأبيض يلتزم بموجبه بعهد شرف بأن يتعامل مع حيوانات هذه الأرض كإخوة له. أدرك أنّني إنسان متوحش، لكنّني عاينت جثث الثيران البرية المتعفنة في المروج المهجورة لأن الرجل الأبيض قتلها. إنّني متوحش، لكنّني لا أفهم كيف يكون هذا الحصان الحديدي أهم من ثورنا البري (البايسون) الذي لا نقتله إلا في أمس حاجتنا للغذاء، فكيف سيكون مصير الإنسان بمعزل عن الحيوان؟ لا شكّ أنّ البشر سيموتون جرّاء الوحشة.
لقد عاين أطفالنا آباءهم وهم يُهانون عَقِب الهزيمة، وعاينوا هَوَانهم بعد الهزيمة، لقد أغرقوا الهنود الحمر في رذيلة الخمول وأوهَنوا أجسامهم بغذاء حلو المذاق ومشروبات كحولية. لا يهمُّ كثيراً كيف يمكن أن تكون نهاية أيامنا. إنّها معدودة، لكن هناك شيء واحد نعرفه ويمكن للرجل الأبيض أن يكتشفه، في يوم ما، هو أنّ إلهنا في هذا الوجود هو إله واحد. يمكنكم أن تعتبروه الآن إلى جانبكم كما فعلتم بأرضنا التي أصبحت ملكاً لكم، لكنّه يمكن أن يكون إلى جانبنا أيضاً لأنّه يسكن في جسد الإنسان، وهذه الأرض عزيزة عليه ولا يريد أن يلحقها الضرر، ولو حصل ذلك فإن سيطال خالقها. البيض أيضاً سيدركهم الفناء ولو كانوا في بروج مشيدة.
بوسعكم مواصلة تلويث موطننا لكن لا تنسوا أنه سيأتي يوم ستختفون فيه بنفاياتكم اليوم الذي سيطال فيه التّلوث البشريُّ أكثر المناطق ستراً في الغابات. دون شكّ إنها ستندثر. ومصير البشر؟ سيصبحون أثراً بعد عين. ليتنا كنّا ندري آنذاك بما كان يحلم الرّجل الأبيض وأية آمال كان يتبادلها مع أطفاله خلال ليالي الشتاء الطويلة وماذا كان ينقش في ذاكرتهم؟
لا شكّ أنه في حالة قبولنا لعرضكم سيادة القائد سيكون المقابل سجننا في موطن ضيق، وهناك يمكن أن ننهي ما تبقّى من حياتنا كما نتمنى. لكن اليوم الذي سينقرض فيه الهنود الحمر من على وجه الأرض وذِكْرَاهم ستبقى مجرّد سحابة تجوب المروج والضفاف والغابات، فإنها ستذكركم بأنفاس شعبي. لأنّ شعبي كان يعشق تلك الأرض كما يحبُّ الطفل سماع خفقات قلب أمه. إذا بعناكم أرضنا عليكم أن تُبادلوها المحبّة ذاتها التي كنّا نكنّها لها، عليكم أن تحفّوها بالرعاية التي كنُّا نحفُّها بها، عليكم ان تحافظوا على مشهد الأرض في مخيلتكم وتعملوا على توريثها لأجيالكم. حافظوا عليها من أجل أبنائكم وامنحوها المحبّة مثلما يمنح الإله الحب لنا جميعاً، وهناك شيء نؤمن به هو أنّ إلهنا هو إله واحد للجميع. وهذه الأرض عزيزة عليه، وفي النّهاية حتى الرجل الأبيض لا يمكنه النجاة من المصير المقدّر للجميع.