العدوان وحزم الحقائب
يبدو أن مشهد الانقسام الاجتماعي والسياسي على مسألة العدوان على سورية، وسط الجدال المحتدم في الداخل والخارج حولها، قد تقدم بقوة على صورة الانقسام الأولي في الأزمة السورية الذي طالما قسّم الشعب إلى ضفتين متناحرتين،انقساماً مدمراً مازال السوريون يدفعون ثمنه غالياً من دمائهم ووحدة بلادهم ومستقبل أبنائهم.
يمكن اليوم وبسهولة ملاحظة اتساع الجبهة المعادية بشدة للعدوان على سورية في أوساط السوريين، مقابل دعوات «بعض المعارضين» البائسة لتأييد هذا العدوان، وانكشاف مدى هشاشة وتفاهة الخطاب المستجدي للأمريكيين وأتباعهم، رغم كل مؤشرات الأزمة والتراجع عند المحور الأمريكي. وفي الجهة الأخرى ظهرت حالات هلع عند «البعض» من المحسوبين في صفوف الموالاة. فأخذ الناس يتندرون أن حركة المطارات في الدول المجاورة قد انتعشت مع حزم كثير من «أمراء» الحرب لحقائبهم الثقيلة، وأخذهم لإجازة قد تطول!!.
و بعيداً عن التفاصيل، يبدو لافتاً بشدة أن الإعلام عموماً «ومعه وسائل التواصل الاجتماعي إلى حد ما» لايزال متأخراً كالعادة، رغم التغيرات التي طرأت على الوضع العالمي والمشهد الداخلي، ومصراً على إنكار التطورات الاجتماعية والسياسية في الداخل السوري. ومن الواضح تماماً أن طرفي الصراع المدمر يخشون إتمام عملية الفرز في الساحة السورية على أسس حقيقية وطنياً واجتماعياً، مثلما يخشون فقدان «سجن الأزمة» المفروض على الشعب السوري عبر امتصاص دمه وإيصاله إلى حافة اليأس والانهيار، ثم محاولة احتكار تمثيله حصرياً.
الواضح اليوم أن المسافات الوهمية التي فرضت قسرياً طيلة الأزمة مثل جدار راسخ بين جماهيرالشعب السوري، قد بدأت بالذوبان والانهيار مع اتساع الجبهة الشعبية المناهضة للتدخل الخارجي بكل أشكاله، الأمر الذي يترافق عملياً مع تهافت مقولتي «إسقاط النظام» و«الحسم العسكري» في الجبهة الداخلية، وهو ما يعني بدء تفكيك الثنائية الوهمية (معارضة-نظام) في الوعي الاجتماعي، وبدء تشكل الفضاء السياسي الجديد بقوة الأمر الواقع، الأمر الذي سوف يتزامن مع انطلاق الحل السياسي الذي بات أقرب من أي وقت مضى خاصة مع تغيّر موازين القوى في العالم.