عنِ الرّيحِ وَالأرواح
منذ عقدين ونيّف حاول طغاة العالم إغلاق سِفر الوجود والحياة.. وأعلنوا نهاية التاريخ.. وأنهم آلهة الكون الجدد وأنهم شعب الله المختار وأن البشر عبيد لهم..
وبدأ المريدون ومن يدور في فلكهم بإنشاد أناشيد خلودهم الأبدي على جثث الفقراء والمعذبين في الأرض.. وسارع الجبناء والجهلاء في تقديم الخنوع والطاعة ورسائل الغفران والتطهر مما اعتبروه من موبقات الماضي وباعوا أحلامهم الوردية في سوق النخاسين الجدد..
ومنذ سنوات ليست بعيدة عندما أعدنا فتح اللوح المحفوظ للتاريخ وحركة الشعوب والكتب المقدسة للحرية والحياة وقرأنا في أولى الصفحات:
أن رياح التغيير ستشرع الأبواب من أقصى الشمال، وستصل هبّاتها إلى الجنوب.. وأنها بكل يدٍ مدماة من قيود العبودية، ستقرع أبواب الخلاص وأن الشعوب ستقتلع الجبابرة والذين يكنزون الذهب والفضة.. وعلى الثوريين رفع أشرعة سفنهم للإبحار في الطوفان القادم...
قال البعض عنّا: مجانين ..وأنها أساطير الأولين من الماركسيين اللينينيين..وأننا ما زلنا بها مفتونين..
وقال آخرون ممن صدئت مناجلهم : أننا تروتسكيون وفوضويون..
وآخرون همسوا بخوفٍ: أن ما نقوله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار..أو أنها أضغاث أحلامٍ كانت وردية..
وعندما قلبنا الصفحات التي تليها عن الشرق العظيم، وقرأنا:
أن الرياح ستعصف في الصحارى المحيطة بنا وستثير العواصف الترابية والرملية، وستطيح بالأصنام الحجرية والتماثيل الخشبية التي صنعتها آلهة الوهم، طالبة الخلود.. بعكس ما صرخ به جلجامش منذ آلاف السنين بأن الخلود لمن يقوم بعملٍ عظيم أو يُضحي بحياته من أجل الوطن.. وأننا وجدنا لنكون شعوباً وقبائل متعارفة..
قال البعض أيضاً: إنكم تريدون أن تكونوا مجوسيين وبوذيين وعبدةً للنار.. في ذرا الجبال.. بينما هم كانوا عبدةً للدرهم والدينار والدولار والريال..
وعندما فتحنا صفحة أبجديتنا المدونة من رأس شمرا إلى ماري.. وقلنا إنها ستكون ملونة باللون الأرجواني، إذا لم نسابق الريح ونركب بساطها ونشرّع أروقة الخيام وأبواب ونوافذ القصور... للأنبياء الجدد من الشباب ومن يسير معهم من الأطفال والنساء والرجال والشيوخ الحفاة العراة الذين يمشون في درب الجلجلة..
قال البعض: نحن لا يأتينا شيء لا من أمامنا ولا من خلفنا.. ومنزهون من الخطايا ومبشرون بالجنة إلى يوم الدين..
ولمّا قدح الزناد وقعت الواقعة.. سرنا معهم وجئناهم وصرخنا: أدركوها لتكون برداً وسلاماً.. صمّوا آذانهم.. وزادوها حطباً وزادوها قدحاً يحرق الأخضر واليابس..
وجاء أئمة الدولار من أصحاب العمائم وممن يقرضون الفتاوى وراحوا يمعنون الفتك وقطع الرؤوس بحد السيف ويعيثون في الوطن فساداً فوق فساد.. وكثرت الخدع من الشطار والعيارين.. وقصص دليلة والزيبق وحكايات علي بابا والأربعين..