أزمة وعي 2 طروادة «العربي»...
اعتاد الجمهور العربي في الفترة الأخيرة سماع تلك الأصوات المنادية بالتدخل الأجنبي، نداء أضحى لصيقاً بالكثير من أطياف المعارضة في المنطقة العربية، وأصبح بدرجة من الدرجات، ربما «معياراً ثورياً» تقاس به شراسة هذا المعارض من ذاك، شراسة تغدو هي الأخرى صكّاً يعبر عن كمية «الرغبة في التغيير..!!».
انطلاقاً من إيمانهم المطلق بأن تلك الشعوب عاجزة عن إحداث أو إطلاق عملية التغيير المطلوب لمجتمعاتها، وضعوا مئات، بل ربما آلاف النظريات والمدارس البرجوازية لتسوّغ المبررات والذرائع المرتبطة بالاستعمار التقليدي منه وغير التقليدي، ليتحوّل المستعمر تبعاً لتلك المسوغات إلى «المخلّص» اللازم والضروري لانتشال تلك المجتمعات من تخلفها وسباتها...!
أمريكا «المثالية»..
من مدارس سيكولوجية ربطت التخلّف بالضعف الحيوي والعنصري لدى الشعوب (فرديا ً واجتماعياً)، إلى نظريات سوسيولوجية ربطت التخلف بالمجال الاجتماعي (تأخر البنى الاجتماعية، المجتمع التقليدي، غياب دافع الأداء والإنجاز)، بقيت نظريات التحديث البرجوازية منذ منتصف الخمسينيات وحتى أوائل الستينيات تستند إلى المثل العليا الأمريكية، فجاءت كنتاج أيديولوجي لإمبريالية الولايات المتحدة، نتاجاً مليئاً بالنرجسية والأثنية والتعصّب العرقي، فالمجتمع الأمريكي هو مجتمع «الرفاه» ومرافق هذا المجتمع وقيمه هي النموذج المثالي الذي يجب على كل المجتمعات تقليده .
منذ ظهور حكومات البلدان المستقلة، بدأت تلك النظريات توجّه كرسائل مرتبطة بالاستعمار التقليدي في مطلع الستينيات، لتشكّل المبرر الأيديولوجي للسياسات الاستعمارية لبلدان الشمال الأمريكي وأوروبا، تتنوع تلك الرسائل بتنوع مصالح المستعمِر وتنوع «لون أو عرق أو شكل أو حتى جغرافيّة» الشعب المستَعمر ...!!
البروتستانتية الجديدة..
فبينما يسعى عالم الاجتماع والمفكر الألماني «ماكس فيبر» جاهداً إلى اعتبار الفكر الإنساني هو المحدد الأساسي لنمو المجتمعات، ليخلص بذلك إلى نتيجة مفادها أن «روح الرأسمالية هي ذاتها روح العقيدة البروتستانتية...!!؟»، فيصبح من الضروري عندها على مجتمعات أوروبا أن ترسل «جحافلها» إلى تلك المجتمعات الخالية من ذاك المعتقد ليس لتحقيق غايات ومصالح دول المركز الرأسمالي، وإنما «لنشر» فكر «بروتستانتي» يضمن لأولئك المتخلفين «اللا بروتستانتيين» فكراً يمكن عبره إدارة عجلة النمو والتنمية...!!
المخلصون الجدد...
وبالانتقال من «فيبر» إلى الاقتصادي الأمريكي «تشارلز فابلن» وآخرين غيره، أمثال «هاملتون، وشومبيتر، وغالبرايت، ومكليلاند... بالإضافة إلى المنظرين المحدثين الإنكليز أمثال «كيلبي وسومريست وماريس و....الخ»، نجدهم جميعاً يردون أسباب التخلف إلى عوامل، تتراوح بين عوامل سيكولوجية، كغياب طائفة المنظمين والمبدعين والقادة، وبين عوامل سوسيولوجية، ترى في الوسط السوسيولوجي الروتيني المحافظ سبباً رئيسياً للتخلف..
يؤكد عالم الاقتصاد والاجتماع «شومبيتر» إن سبب التخلف يكمن بعدم ظهور المنظمين والرجال المجددين الراغبين في استغلال الفرص والمبادرات المتاحة، شأنه في ذلك شأن «مكليلاند» وغيره من المحدثين الإنكليز الذين يرون أن العائق الأساسي أمام تسريع النمو والتنمية هو «غياب المهارات الفنية والمكتسبة لدى رجال الأعمال المحليين، غير القادرين على تنظيم وظائف المجتمع» !!. رأيٌ يماثله إلى حد التماهي تصريح على لسان أحد المثقفين والذي يعد من أهم كتّاب الدراما السورية الكاتب السوري «المعارض»، فايز سارة، والذي أكد في تصريح له لصحيفة الأخبار اللبنانية منذ زمن ليس بالبعيد -بدايات الأزمة السورية- قائلاً: «إن سورية بحاجة إلى رؤوس أموال أجنبية جديدة لتحل محل رؤوس الأموال المحلية «التقليدية»، لأن هذه الأخيرة باتت رهينة النظام البيروقراطي، وبالتالي فعلينا استجلاب رأسمال جديد ومبدع قادر على تحريك عجلة النمو والتطور..!!».
وا أوباماه...
يطالب «مثقفنا» بإعادة توزيع الثروة بين ناهبين قدامى وجدد، لا بين ناهبين ومنهوبين، أو بين رؤوس الثراء الفاحشة وفقراء يزداد فقرهم كمّاً ونوعاً! ففي رأيه تكمن مشكلتنا في تخلّف رؤوس الأموال الحالية، ولذلك فنحن اليوم بأمس الحاجة إلى عقلية «نيو رأسمالية»...!!
من محاولة نشر «المعتقد البروتستانتي» المتطور إلى محاولة انتشال «الكيماوي» من يد «الطاغية» تختلف رسائل الاستعمار وذرائعه، ذرائع ربما يدرك علماء البرجوازية اليوم أنها لم تعد تعادل قيمة الحبر التي تطبع به، فالمهمة اليوم موكلة لذاك النموذج «المعارض» التابع اقتصادياً وسياسياً وحتى ثقافياً لطغاة عالميين، والمتناغم عملياً مع طغاة محليين، مهما علا صراخه «الثوري» يبقى مجرد نداء «طروادي» من العيار الثقيل، نداء تكتمل معه ألوان التبعية في بلدان هي بأمس الحاجة لنموذج معارض يختلف نوعياً عن أنظمتها السابقة، وعلى من يواظب ليل نهار بنداء «وا أوباماه...» عليه أن يدرك أن أوباما ليس بالمعتصم وإن لبّى ذاك النداء....