«عبيتن لجيابك؟.. على هالضيعة لا كان حدا جابك!»
كان لسورية حظ أفضل من شقيقاتها، فقد كان لها من تنبأ بما يمكن أن يجري على أرضها، فإلى جانب النبوءات السياسية التي حذّرت من تطوّر التناقضات في المجتمع السوري إلى ما لا تحمد عقباه، وجدت نبوءاتٍ فنيّة لا تقل أهميّةً، وجمالاً، مسلسل «ضيعة ضايعة» نموذجاً.
في الحلقة الأخيرة من الجزء الثاني من مسلسل «ضيعة ضايعة» يَرِد التعليق التالي: «أم الطنافس تجمع سكاني مفترض.. شخوصه مفترضة.. أحداثه مفترضة.. مستسقاة من واقع عربي ليس كلّه مفترض.. فقط اقتضى التنويه». في تلك الحلقة، التي يتذكرها السوريون جيداً، تبلغ البلاد النتيجة المنطقيّة لرعونة المدعو «أبو شملة». ذلك الفاسد- المهمّش، وبالتالي الفاسد- المتمرّد، الذي يقع نتيجة لأفعاله، هو وأهل الضيعة، فريسة لطمع أعداء الخارج، الذين ما انفكّوا يرسلون هدايا الموت إلى بلادنا، والتي كان آخرها نفايات نووية، بحسب المسلسل، ليموت الجميع في نهاية مأساوية تقارب ما جرى ويجري في سوريّة، حيثما استخدمت أسلحة ليست بأقل فتكاً من النفايات النووية «المفترضة» في المسلّسل..
النفايات النووية التي أدخلها «أبو شملة» إلى البلاد، بغير علمه، لا تشبه تلك التي أدخلها أبناء عبد الحليم خدّام في الثمانينيات، فهذه الأخيرة دخلت على فرض أن البلاد ليست وطناً لمدخليها، فهؤلاء وطنهم في جيوبهم، ويهربون متى أرادوا إلى البلدان المصدّرة لهدايا الموت في الغرب، أما «أبو شملّة» فجيوبه كانت أصغر من أن يعي ذنبه، هو لم يكن يعرف العيش إلا في حدود محيط «أم الطنافس»، ولم يعرف من الأرض إلا شرقها، لذا فقد وجب عليه أن يمارس الخطيئة دون أن يعيها، ويتحمّل وزرها القاتل مع الآخرين..
الموت هو النتيجة الطبيعية لكل المفارقات التي كانت تعيشها «أم الطنافس»- سورية، لكنّه وفي الوقت ذاته هو الذي دفع بأهل البلد إلى المسارعة بمداواة جراح بعضهم البعض.. الجراح التي لطالما كابروا عليها قبل أن يلفهم الموت بعباءته، كل الجراح، باستثناء خيانة «أبي شملة» الذي قيل له:« عبيتن لجيابك؟.. على هالضيعة لا كان حدا جابك»..
فهل كان نذير الموت في هذا المسلسل، الذي سبق الأزمة بأيام، ليدق ناقوس الخطر المحيق بنا؟ كيما نفوت فرصة مداواة الجراح؟ أم جاء ليوقظنا من غفلتنا عن حال «أبي شملة» ومدى اغترابه الذي دفعه إلى وكر الذئاب؟