لينا حوارنة لـ«قاسيون»: (ضرورة رسم الخط العام لمشروع ثقافي وطني)
كنسمة لطيفة ودافئة تدخل إلى الروح، الفنانة السورية لينا حوارنة، التقتها قاسيون وجرى الحديث عن العلاقة التبادلية بين الفن والمجتمع وأثر التحولات الاجتماعية والسياسية الكبرى التي يعيشها العالم حالياً ومنطقتنا بشكل خاص، بالإضافة إلى حال الفن في بلادنا في ظل هذه التحولات، والعلاقة بين الفن والسياسة في العموم.
«الفنان يمارس السياسة ولكن بشكل غير مباشر»
وحسب رأي الفنانة «لينا» يقوم الفنان بدوره الوظيفي في الحياة الاجتماعية والسياسية من خلال فنه. فعندما ينقل الواقع ويظهره ويسلط الضوء على مشكلة ما فهو يمارس السياسة ولكن ليس بشكل مباشر لأنه ليس مطلوباً من الفنان التحزب ليعبر ويعكس ما يجري في المجتمع فيصبح مقولباً.
وهنا يفترض أن يمتلك الفنان هامشاً من الحرية تتيح له طرح الآراء المختلفة التي يعكسها في فنه. لأن واجبه إيصال حالة ما يمثلها دون تقديم خطابات مباشرة، وإنما من خلال دور، فالدخول إلى الناس من خلال العمل الدرامي. الدراما من المجتمع وهي موجهة للمجتمع . وإذا أراد الفنان العمل في السياسة بشكل مباشر فذلك يتعلق بالاهتمام الشخصي.
«الممثلون محكومون بنصوص..»
ومن جهة أخرى أكدت الفنانة «حوارنة» أن الكثير من الأعمال السياسية التي قدمت في الفترة الماضية لا تتلمس المشكلة بشكل حقيقي وواضح أحياناً، لأنها محكومة بكاتب، ومخرج، ومنتج يهمه أن يباع العمل، هناك موضوع تجارة في النهاية. ولكن المشاهد لا يعرف التفاصيل الداخلية للعمل ولا يراها فيقوم بالحكم على الممثلين ويحملهم أحياناً ما هو فوق طاقتهم.
الممثلون محكومون بنصوص تعرض عليهم، يناقشونها قدر الإمكان ولكنهم في النهاية محكومون بها. وحتى الكاتب محكوم أيضاً بظروف معينة منها ثقافته وإمكاناته، وحصوله على الموافقة. وليس لدينا سيناريست متخصص كثيراً. رغم أن العمل بالإمكانيات الموجودة لدينا جيد نسبياٌ نظرا لما وصلنا إليه من نقل الواقع، ولكننا نفتقر للثقافة عند الكاتب الذي سينقل الفكرة ومعالجة الخط ونقل الشخصية من «أ» الى «ب» والبعد النفسي لها، كما تفعل الكاتبة «يم مشهدي» التي تنقل منمنمات الشخصية وتفاصيلها وهذا يتطلب مخرجاً ذكياً وجاداً.
«الأزمة الثقافية جزء من الأزمة العامة..»
أما بالنسبة للحالة الثقافية في سورية عموماً فهي مأزومة جداً، وهي جزء من الأزمة العامة الموجودة بكل مفاصل الحياة، وهي ناتج عن موروث متعلق في جزء منه بالتربية، إذ يجري حشو الرؤوس بالمعلومات لتحفظ دون تكوين ثقافة حقيقية، ما يؤدي في الغالب إلى قولبة الأفكار والإحباط ، وقد يتجاوز البعض هذا الواقع بالاجتهاد الشخصي ولكنها تبقى في العموم استثناءات. من جهة أخرى لا يوفر العمل في المجالات الثقافية عيشاً كريماً وهو أحد أسباب ابتعاد الناس عن الثقافة.
«السينما في بلادنا تنتج أفلاماً للمهرجانات فقط»
أما بالنسبة للمؤسسات الثقافية الرسمية، فلا يوجد مؤسسة ثقافية متابعة بشكل جيد. فالقطاع العام لا يهمه الموضوع التجاري وبيع أو تسويق العمل الفني. أما القطاع الخاص فلأجل بيع العمل يستخدم أسماء شخصيات محددة ويعتمد على موديلات كماركات تجارية، مما يؤدي إلى تراجع الدراما حتماً. وقد حوربت الدراما السورية وأصبحت المادة المقدمة أقل من المستوى المطلوب. بينما يمكن حماية الدراما من خلال العمل المؤسساتي.
وبالنسبة للسينما فقد كانت المؤسسة العامة للسينما تنتج أفلاماً موجهة لمهرجانات، ولكنها دون مستوى المهرجانات، لأن الإمكانيات المادية للسينما ضعيفة وتعاني من الإهمال. وكانت محتكرة لعدد معين من المخرجين، وهم أنفسهم صانعو النصوص..! بالإضافة إلى أن التكلفة في السينما عالية جداً. والنتيجة أن أصبحت الفترة بين إنتاج كل فيلم وآخر من عشرة الى عشرين عاماً. بينما يوجد إقبال نوعاً ما على المسرح والجيل الجديد يحاول أن يغير ويعطي طابعاً وأسلوباً جديداً.
«المشاهد السوري ذكي وهو ناقد لاذع»
وبالنسبة لمفهوم النخبة المثقفة وعلاقتها بالحالة الاجتماعية العامة تقول «لينا»: توجد خطوط حمر كثيرة في طريقة إخراج العمل.رغم المحاولات الكثيرة للاعتماد على طريقة إظهار العمل الفني بشكل جميل دون كذب أو تجميل، ونقله بصورة فنية .والمشاهد الذكي يراه ويحكم عليه لأن المواطن السوري ناقد لاذع، لا يعجبه أي شيء يقدم له، فهو يرفض التسطيح وعدم معالجة الفكرة بالشكل الصحيح . وبالنسبة لي ليس كفنانة بل كمشاهدة سورية أرى أحياناً الضعف الإنتاجي في الدراما في محاولة توجيه ما، لفكرة ما في هذا العصر، وهذا الزمان المفتوح . ولذلك اطالب بنوعية أفضل ونص أفضل. ثم أن متابعة الدراما الأجنبية لا تعنينا بشكل مباشر، ولكن من الممكن متابعة الفكرة لنرى ونلاحق العمق والأكشن وتقنيات الإنتاج والإخراج التي يحبها جيل الشباب.
الوسط الفني يشبه المجتمع وهو يعكس حالة المجتمع العامة، وهو مثل أية مهنة أخرى حيث كل فنان يعبر عن ذاته ولا أحد يشبه الآخر.ولكنهم يعتمدون على العمل الجماعي حيث يتعاون أشخاص يتعاملون مع بعضهم ويعطون بعضهم بشكل صحيح. وهنا يمكن أن يؤخذ من الشخص أفضل ما عنده لمصلحة العملية الفنية.
واختتمت الفنانة «لينا حوارنة» حديثها بالقول: نحن بمرحلة تغيير وتحول وهذا يقع على عاتق كل من يهمه مصلحة البلد من خلال تنوير بالاتجاه الصحيح لرسم الخط العام لمشروع ثقافي وطني للمرحلة القادمة، وكمواطنة سورية ومثلي مثل أي مواطن سوري آخر أجد صعوبة التفكير والتخطيط لأكثر من اليوم الذي نعيشه بسبب ظروف البلاد الصعبة، فكيف يكون الأمر بالنسبة للغد، ومع ذلك أملنا بالغد كبير.