بلا مزح
(والله لنكيّف ..!! لا تقصفني «مقصوفة» ..!! بسيطة يا ..!!) باتت الكثير من الجمل والصور اليوم كما الأيقونات في حياة السوريين ويومياتهم، أيقونات لم تحتل فقط مركز الصدارة في صفحات التواصل الاجتماعي والعالم الافتراضي، .....».
وإنما تجاوزتها لتسير مع كل خطوة يخطونها في واقعهم المعيشي ويومياتهم.. هي الدعابة أو «النكتة»، التي اشتهر بها السوريون تاريخياً، إذ لم يغادرهم حس الفكاهة حتى بأسوأ الظروف. واليوم في ظل الأزمة الخانقة والطويلة, يعاود السوريون ابتكار مختلف العبارات والصور في قالب كوميدي ساخر، لتصبح وسيلتهم في تلقي الخبر السيئ، أو ربما تجاوزت ذلك لتصبح هي «الخبر» بحد ذاتها.
لا خلاف على مقولة «أن الحياة مزيج من الجد والهزل», أما معرفة الحدود الفاصلة بين هذين النقيضين فتبقى هي القضية الشائكة, والتي طالما ارتبطت بمقولة أخرى محتواها «كفاك مزاحا ً فالقضية لاتحتمل المزاح...».ويثيرالتساؤل المُلح هنا حول أسباب انتشار هذه الظاهرة واتساعها بشكل كبير حالياً أثناء الأزمة، فهل يريد السوريون القول إن أزمتهم الخانقة «قضية لا تقبل المزاح..؟؟».
لعل أهم عوامل تطور هذه الظاهرة وانتشارها حالياً، يكمن في ضبابية الحلول وطول الانتظار, فتتالي أيام الأزمة وشهورها وازدياد تعقيدها واستعصاء الحلول، ولّد حالة من اليأس أو الملل كحد أدنى لدى الكثيرين, وفرضت هذه الحالة على السوريين ابتداع طرق شتى للتكيف مع مجريات الأزمة المعقدة والخانقة, ربما ليس معيباً إيجاد تلك الوسائل التي تساعد الناس على امتصاص الاحتقان اليومي والتخفيف من وطأة تراكماته، خصوصاً مع اقتراب الأزمة من عامها الثالث, ولكن في الوقت ذاته قد يتجاوز «الهزل» أحياناً حد التكيف المذكور، ليتحول إلى أسلوب في مواجهة ما نتعرض وتتعرض له البلاد اليوم .
تنجح الدعابة عندما تكون شكلاً من أشكال ممارسة الصبر, طريقة في استيعاب الصعائب وامتصاص حدتها، وربما مع ما يمر به السوريون اليوم من أحداث يومية متعاقبة هو ماجعلهم بأمس الحاجة لابتسامة تساعدهم على التفكير ملياً في الخطوة التالية،وعلى الرغم مما تمر به البلاد اليوم ولكنها حتماً ستتقبل مزاح أهلها وناسها، وتجد له مبرراته, ومع تطور الأوضاع وتصاعدها يرتفع مستوى الوعي العام بين الناس بضرورة الحل وتتثبت لديهم القناعة بأنها قضية «لا تقبل المزاح